استمعت إلى بيان صوتي أجش ذات صباح من 07نوفمبر 1987. لم أكن أتوقع أنّ مجموعة كلمات قادرة أن تجعل بلدا يتوقّف نبضه طيلة 23 سنة. تلك الفترة الزمنية انتهت بكلمة واحدة " غلطوني".
لم تكن كلمات البيان مسحورة؛ بل خالطها الدّجل و الكذب، و كانت عربدة غايتها أن يتسلّط من أراد السّلطنة بأخف الشّروط. الأمن المبالغ فيه مقابل رقابكم و عقولكم في شكارة لا تتنفس. هكذا كانت البيعة. عش ذليلا ، فالزيت مدعّم و الخبز الأصفر مدعوم و السّكر المرّ مدعوم و الهواء الّذي تتنفسه خالص الأجر دون ضريبة عليه، فلا تفكّر في بلدك ،فغيرك له القدرة على إبداع خطب رنّانة يصفّق لها المتزلّفون.
ذلك زمن مضى، و خسرت بلادنا فترة زمنية آمنة ولكنها لم تقدر على إدخالها تاريخ الشّعوب الحرّة و المتقدّمة. و صال السفهاء صولتهم. و عرفت السّجون رحلات سوداء لأبناء الوطن كانوا يختلفون قليلا أو كثيرا عن رجال السّلطة الّذين لهم معادلة واحدة العيش بجانب الحيط أو الدخول فيه للأبد.
تاريخ الشّعوب لا يتعلّق بحقبات سوداء تزول بزوال جبابرتها فقط، بل هو يزداد شغفا بالقطع معها.
فكيف يصبح الوطن حرية مشتركة يبنيه كل فرد من موقعه في رفعة تبعده عن جحيم التخلّف؟
هذا الوطن يحتاج أن يكون جمّاعا لأبنائه مهما كانت رؤاهم متنافرة. فمن يعتقد أنّ ّ البيانات الظلماء تدوم لفترة طويلة فهو واهم فلا يزيل سواد الجهل و التخلف و الفساد و الإجرام إلا صدق العمل و جليل الإيمان بوطن لا ظلم فيه ولا فتن.
يجب أن يكون المشروع الوطني يتأسس على نبذ التعصب و الإقصاء و التهميش و الحقرة. و أن يكون فداء الوطن درسا يتلوه المتعلّمون كلّ صباح و التفاني في خدمته ترنيمة تكرّرها وسائل الإعلام كلّ مساء.
فبلدنا أمانة لم يكن السّلطان بحافظ لها يوما فاتركوا الشّعب يشق طريقه مرّة بالكبوة و مرّة بالاعتدال.