الملك كان تحت وقع الحرج والصدمة (والمرض)

البارحة كانت ليلة فايسبوكية مخصصة لسبّ ملك الأردن ونعته بالعمالة والخيانة والهوان والارتجاف ذلاّ وخوفا أمام ترامب...الخ. تناوب الجميع على إثبات خيانة الملك.. وكل الأنظمة العربية (والمقصود أساسا مصر والسعودية والإمارات).

طبعا من المهم التذكير أن لا أحد من الذين سارعوا إلى السب حاول أن يكون أمينا في نقل الموقف الأردني لأنهم اعتمدوا مقتطفات فقط من الندوة الصحفية/الفخ التي فاجأ بها المجرم ترامب ضيفه الأردني. والذين تريثوا وتابعوا التصريحات والتغريدات اللاحقة فهموا أن الملك كان تحت وقع الحرج والصدمة (والمرض) ويحاول مراوغة ترامب.

والحقيقة أن هذا التعامل الشعاراتي من قبل "ثوار الفايسبوك" مع التطورات التراجيدية الأخيرة لا أفهمه إلا من زاوية تملّصها من واجب البحث عن الحلول وتبرير عجزها هي بالمسارعة إلى السب المجاني غير المكلف للأنظمة التي يمعن ترامب فعلا في محاصرتها وإهانتها.

منذ السبعينات لا يكف معارضو الأنظمة العربية عن ترديد نفس الشعارات الطفولية الجامدة الركيكة في وجه الأنظمة.. من قبيل "النظام الرجعي العميل.. يا نظام يا جبان يا عميل الأمريكان...".(شاركت في أغلب المسيرات أيام الدكتاتورية لكنني كنت أتقزز من هذه النوعية من الشعارات "المفرخية").

يبدو لي أن التحدي "الترامبي" غير المسبوق يضعنا أمام واجب البحث عن مغادرة لحظة الشعار الطفولي نحو لحظة فعل وطني ذكي يستحضر المجتمع في كليته سلطة ومعارضة والذين هم خارج السلطة وخارج المعارضة.

جميعنا نعرف أن مجتمعاتنا مفتتة ومريضة، وأن أنظمتنا ضعيفة عسكريا مقارنة بترسانة الاستعمار، وأن نخبنا، الحاكمة خاصة، بل كل مكونات مجتمعنا استبطنت فكرة تفوق الغرب، وأسقطت من حسابها المواجهة المسلحة لخطط الاستعمار الجديد ورأس حربته الكيان النازي..،

لكن الملحمة التي أنجزها مقاتلو غزة أثبتت أن خيار المواجهة المسلحة والتحدي العسكري(7 أكتوبر العظيم)، وخيار الصمود والصبر وحسن إدارة الموارد المتاحة(خلال خمسة عشر شهرا)، خيارات ممكنة جدا أمام استعمار يمتلك تكنولوجيا الحرب ولكنه بشريا جبان ومهزوم أخلاقيا.

بل أن التحالف العنصري النازي بين ترامب والناتن لم يدع لنا نحن العرب، بكل أصناف حكّامنا وبكل تناقضات محكومينا، إلا هذا الخيار.

وليس أمامنا إلا أن نتقدم نحو هذا الخيار. خيار المواجهة الشاملة لمشروع إنهاء الوجود العربي.

أخيرا.. كل حديث يذكرني ب"طببعة الأنظمة العربية" من قبيل أن الاستعمار هو الذي نصّبها وأنها لو لم تكن عميلة لما أبقى عليها...، ليس أكثر من لغو عندي. ففضلا عن أنه تبسيط لسلوك الاستعمار ولمسار نشأة شبه الدولة العربية الحديثة، هو حديث يرفض اقتناص ما أراه فرصة تقاطع الضرورة بين الشعوب والأنظمة.

الجريمة التي يستعد لارتكابها ترامب في حق العرب جريمة عارية تتجاوز كل شعاراتنا السياسية القديمة...، وإن لم نعمل على تحويلها إلى فرصة لفعل تاريخي نوعي من خارج التناقض الأبدي سلطة/مجتمع...

ف.. تبا.

ملحق: يمكن الخوض منذ الآن في بلورة دليل عملي للفعل السياسي المطلوب الآن.

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات