وصية يحيى في مشهده الأخير …

مشهد يحيى العظيم وهو يمشي بحذر خطواتِ النهاية فوق أنقاض مباني غزة الشهيدة، يتحسس مواضع قدميه حتى لا ينزلق فلا يبلغ لحظة المواجهة الأخيرة الضرورية للرحيل، ثيابه الخفيفة مغبرّة، وجهه يستعد لاستقبال الخلود، يرفع عينيه الغائمتين نحو المصوّر، يحرّك سبّابة التحذير والتنبيه في وجه العالم.. ويزمجر:

وللحرية الحمراء باب +++ بكل يد مضرّجة يُدقّ.

كان يستطيع أن يردد أية عبارة من العبارات التي يتوارثها ويتداولها "المسلمون" بكل جفاف وميكانيكية وآتّباع.. كأن يكبّر "الله أكبر" أو ينطق الشهادتين بأداء تمثيلي أو يردد شعار "الجماعة": "الله غايتنا والرسول قدوتنا والقرآن دستورنا..."، لكنه لم يفعل.

اختار أجمل ما قيل في الحرية. سطر إنساني قاله أحمد شوقي تجاوز فيه كل حدود الجغرافيا والزمن والعقيدة والطائفة والحزب، لينطق باسم الإنسان.. كل إنسان.

الحرية لا تكون إلا حمراء.. بلون الدم. بل أنها هي" الدم". من دونها يصير الجسد كتلة لحم، "شيئا" قابلا للاستعباد والتصرّف والدوس.. والرمي في القمامة. لكنه، حين يضجّ فيه دم الحرية، يصبح ماردا عصيّا عن كل أشكال المهانة، تماما كيحيى العظيم والآلاف من "إخوة الحرية".

هذه هي عندي وصية يحيى وهو يردد سطر شوقي.

كأنه يقول لنا جميعا:

"ها أنذا أطرق بدمي باب حريتي.. وحريتكم جميعا! فتحرّروا! تحرروا من انقساماتكم/هوياتكم/طائفياتكم/ايديولوجياتكم/حويزباتكم.. الصغيرة التي تتوارثونها بغباء جيلا بعد جيل حتى كادت تصير جيناتٍ فيكم! ها أنذا أتقدم نحو الحرية إنسانا..، إنسانا فقط".

المجد لك.

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات