كثيرون لا يفتؤون يذكرون بشعبية قيس سعيد بحصوله على 72.71 بالمائة من أصوات الناخبين وأن عدد ناخبيه بلغ مليونين اثنين و778 ألف ناخب. والأكيد أن تلك الحجة نفسها هي التي تجعله يصدح في كل مرة بأنه هو الرئيس وحده ولا رئيس غيره، وكأن النظام رئاسوي. فإن كان قيس سعيد لم يقرأ تلك النسبة على حقيقتها فهذا إشكال حقيقي، لأن أغلب الناخبين لم يصوتوا له قناعة ببرنامجه أو تجاوبا مع خطابه الانتخابي، وحتى الحديث عن نظافته فليس عن قناعة، وإنما لأنه في مواجهة مع من تعلقت به تهم فساد. بمعنى أن الحجم الحقيقي لشعبيته لا نجده في ناخبي الدور الثاني، وإنما في الدور الأول.
وهؤلاء بلغت نسبتهم 18.40 بالمائة فقط أي أقل من خمس الناخبين، ويبلغ عدد ناخبيه 620 ألف صوت، أي 8.7 بالمائة من المسجلين. وهذه النسبة لا تدل على شعبية ساحقة، هذا إذا افترضنا أنهم حافظوا على ثقتهم فيه بعد مرور ما يزيد عن سنة على انتخابه. غير ذلك فالناخب يحق له أن يبدّل رأيه في من أعطاه صوته، بقطع النظر عن الأسباب. والحقيقة مقابل ذلك أن أشخاصا آخرين تغير رأيهم فيه إيجابيا، فانتقلوا من صف المصوتين ضده إلى داعمين شرسين له. وهؤلاء يمكن أن نلاحظ وجودهم على صفحة رئاسة الجمهورية نفسها من خلال تعليقاتهم المتمسحة على أعتاب "سيادة الرئيس" رغم أن بروفايلاتهم تظهر فيها عبير موسي أو الباجي قايد السبسي.
وعلى أية حال، فالناخبون سواء حافظوا على ثقتهم في قيس سعيد، أو أبدلوا رأيهم فيه، فإنهم صوتوا له على أساس النظام البرلماني المعدل، والدستور أسند لرئيس الجمهورية مهام معينة، وفصوله من الوضوح بما يجعلنا في غير حاجة إلى من يؤولها في هذا الاتجاه أو الاتجاه المعاكس. وهي لا تجيز له القيام بمهام رئيس الحكومة، ولا التحكم فيه، مع أن رئيس الحكومة غير منتخب مباشرة من الشعب، وإنما يجب أن يحظى بثقة مجلس نواب الشعب. وفضلا عن ذلك فالناخبون لم يسمعوا من قيس سعيد خلال حملته الانتخابية، أنه في صورة وصوله للرئاسة سيقوم بتحوير النظام الحالي إلى نظام رئاسي أو تعديل الدستور بما يمكنه من التحكم في السلطة التنفيذية أو الحد من السلطة التشريعية.
الأمر واضح كل الوضوح. وقيس سعيد مدرّس القانون الدستوري، يعرف عندما ترشح لرئاسة الجمهورية، ما ينص عليه الدستور بخصوص حدود كل سلطة، بما فيها رئاسة الجمهورية. ولو وعد في حملته الانتخابية بتحوير الدستور في اتجاه توسيع سلطاتها على حساب بقية السلطات، لجاز له أن يتقدم خلال عهدته بخطوة لتجسيد وعده الانتخابي. أما أنه لم يسبق له قبل الانتخابات أن يثير الموضوع، ولو في تصريح صحفي، وانتخب على قاعدة أن لرئيس الجمهورية مهام معينة، فهو يعتبر مؤتمنا على ما انتخب عليه، ولا يغرّنّه المتزلفون حتى وإن ادعوا -دون دليل- أنهم ناطقون باسم الشعب.