رأيتم الاتصال بين قيس سعيد وماكرون، الذي لم تعلمنا به صفحة رئاسة الجمهورية التونسية، وإنما أعلمتنا رئاسة الجمهورية الفرنسية بأن قيس سعيد سيقدم خريطة طريق. لسنا في حاجة للتذكير بأن هذه الخريطة طالب بها الكثيرون بما في ذلك "أكبر قوة في البلاد" وحتى أحزاب الحزام الرئاسي، ولم تجد رئاسة الجمهورية حاجة للاستجابة لها، وها هي تعلن ذلك لماكرون، وماكرون -مشكورا- يعلمنا بقرب نزولها. المشكل ليس هنا. رأيتم ما أسهل عنده أن يكون عندنا نظام رئاسي.
عاشت تونس تحت النظام الرئاسي تحت بورقيبة وبن علي. كان الواحد منهما يفعل ما يشاء بلا حسيب ولا رقيب. والمؤسسات ومن بينها الحكومة ومجلس النواب كانا مثل القواقع، لا شيء تقريبا في التأثير على الرئاسة. في المقابل لم يكن أسهل على المتدخلين الخارجيين من أن يوجهوا السياسة التونسية نحو هذه الوجهة أو تلك.
أعطي مثلا واحدا من التاريخ يتعلق بسياسة التعاضد التي وقع تبنيها في الستينات، وظهرت عبارة "الاشتراكية الدستورية" وسمي عليها الحزب الدستوري بالاشتراكي، ووقع تعديل البلاد على تلك الساعة، الساسة والإعلام و"الشعب الكريم"، وقد تحمس لها من تحمس أو "تحمص" من "تحمص"، ولم يقع التفاعل معهم؛ لكن هذه السياسة "طاحت" بمجرد تقرير من السفير الفرنسي، فأعلن بورقيبة عن "لحظة التأمل" وتوقف كل شيء كأن شيئا لم يكن، ولم يتدخل في الأثناء لا برلمان [شكلي] ولا حكومة [تشكلت حسب إرادة الرئيس] ولا كان لاتحاد الشغل موقف.
السفير الفرنسي -النكرة في فرنسا- أقوى من الجميع في تونس بنظامها الرئاسي أو الرئاسوي، فهو أقدر على أن يعطي الأمر للرئيس فيحصل على ما يشاء، فله بطبيعة الحال أسلوبه في الضغط أو الإغراء، العصا والجزرة، وحصل على ما شاء. هذا مثال من التاريخ. بمعنى أن النظام الرئاسي أسهل للتحكم فينا. وفرنسا الآن ترغب في أن يكون لنا نظام رئاسي، والبرلمان يعطل مصالحها. ويكفينا من البرلمان ما يشبه برلمان بن علي، المهم يكون عندنا رئيس.
شكرا لماكرون الذي أعلمنا بقرب الإعلان عن خريطة طريق.
ملاحظة: السفير الفرنسي في الستينات صاحب التقرير اسمه Jean Sauvagnargues. لا تسمعون به؟ عادي. فحتى في بلاده لا يسمع به إلا القليل جدا، فهو ليس موظفا كبيرا ولم يصل بعد ذلك إلى مرتبة كبرى. عادي. ومع ذلك كان أقوى من الجميع هنا.