بعد شهرين من انقلاب 25 يوليو، وخاصة بعد الأمر الرئاسي ليوم 22 سبتمبر، يكاد التأييد ينحصر في تيارين اثنين، القوميون والوطد، بمختلف مواقعهم النقابية وتياراتهم السياسية الإيديولوجية، حتى وإن كانوا مشتتين. وفي هذا الإطار يكفي النظر إلى تأثيرهم في اتحاد الشغل الذي أثروا على موقفه من الانقلاب، بحجم حضورهم الوازن في قيادته.
لدينا من جهة، قدامى الوطد التاريخي بمختلف تشكيلاتهم السياسية والنقابية في اتحاد الشغل وخارجه، يدعمون قيس سعيد، وهو ما يذكّر بأن الديمقراطية في اسم "الوطنيون الديمقراطيون" لا صلة لها بالديمقراطية التي يتكلم عنها الجميع، والتي يعتبرونها ديمقراطية برجوازية، رغم أنهم طالما استفادوا من الغموض بين المفهومين.
أما بالنسبة إلى القوميين فإن التقاءهم على دعم قيس سعيّد، يذكر بارتباطهم وموقفهم من الأنظمة العسكرية والانقلابية في المشرق خاصة، والأهم من ذلك بالنسبة إلينا اليوم، أن نطرح السؤال هل قدر القوميين أن يكونوا انقلابيين؟ ألا يمكن أن نجد قوميين ديمقراطيين؟ والسؤال يهم أكبر حركة ناصرية وهي حركة الشعب، فالمتكلمون باسمها يظهرهم كانقلابيين بشعين، والصورة الباقية ستعسّر على من سيأتي بعدهم للإقناع بأنهم ديمقراطيون أو ليسوا أعداء للحرية.
إلا أن المشهد أوسع من ذلك في اعتقادي، لأن الوجوه التي تصدّرت للتكلم باسم التنظيمات القومية في المدة الماضية لا يجب أن تخفي عنا وجوها أخرى، متفتحة ومثقفة، تراجعت عن مقدمة المشهد وهي منذ مدة تلتزم الصمت، وحتى البعض ممن أيدوا في البداية انقلاب 25 يوليو، نراهم هم أيضا صامتين.
وهذا الصمت في حد ذاته تعبير واضح على أنهم محرجون من الظهور في موقع يحمّلهم شخصيا مسؤولية الانقلاب ونتائجه، وهو تفصّي واضح من الانقلاب. شخصيا أفهم صمتهم هكذا، بينما الناطقون اليوم بلسان القوميين سيُعتبرون سفهاء حتى لا يُحمّلوا بقية القوميين نتائج ترحيبهم، ودعمهم للانقلاب ومعاداتهم للحرية والديمقراطية.