بقطع النظر عن فوز أردوغان، فإن الانتخابات التركية مزعجة للأنظمة العربية وعَبيدُها أكثر من أي انتخابات أخرى في العالم، ليس خوفا من التدخل التركي في شؤونها، وهي التي تفسح كل مجالاتها وقراراتها للتدخل الأجنبي، وإنما لأن الأتراك الأقرب إلينا حضاريا وجغرافيا، ويمكن أن يرى فيهم العرب نموذجا لاستعادة إرادتهم والإمساك بشؤونهم. في حين أن الأنظمة العربية تصر على أن يبقى العرب خارج التاريخ، بعيدا عن الديمقراطية.
في الحالات العادية، تركيا بجغرافيتها، لا تكون إلا إحدى القوى الدولية. نتذكر بأنه قامت على أرضها حضارات وأمبراطوريات عظمى، من الهلينستية إلى البيزنطية إلى العثمانية. بجغرافيتها أيضا تكون حالة النزاع مع قوى أخرى من تحصيل الحاصل.
يكفي التذكير بالتناقض بين الحضارتين الرومانية والبيزنطية، أو بين الأمبراطوريتين العثمانية والإسبانية. وعادي حينئذ أن تمنى الكثيرون في الغرب هزيمة أردوغان، لعل منافسه يكون دون جغرافيا تركيا.
الديمقراطية يمكن أن تجعل بلدا في صدارة الاهتمام العالمي ليوم أو أيام. ويبقى بعد ذلك ما يترسخ عنه في الأذهان من صورة إيجابية، تمتد انعكاساتها بعد ذلك على جميع الأصعدة، من الاستثمارات إلى السياحة إلى كل شيء.
بلدان أخرى، لا تتضخم فيها يوميا إلا ملفاتها في المنظمات الحقوقية الدولية، ولا تلفت العالمَ إلا مشاكلُها وأزماتها الاقتصادية والمالية. وتدعي أنها تمتلك حلولا للعالم.