ورد في الصفحة الرسمية لرئاسة الجمهورية بأنه "دعا المواطنين الصادقين إلي تطهير البلاد من كل من عبث بمقدرات الدولة والشعب"، وقد وجدت هذه الجملة استهجانا واسعا وانتقادا مكثفا بشبكات التواصل الاجتماعي، ولا ندري إن كان ذلك هو ما دفع إلى تعديلها بتعويض عبارة المواطنين بعبارة الوطنيين، دون توضيح رسمي حول دواعي ذلك، رغم أنه لم يخفف من وقع الدعوة الرئاسية، بل ازداد الأمر سوءا. إذ هناك إصرار على خطاب التقسيم والتفرقة بين التونسيين. ولا فرق كبيرا بين توجيه الدعوة إلى المواطنين الصادقين، أو إلى الوطنيين الصادقين.
وسواء نُودي هؤلاء أو أولئك فالواضح أن المقصود بهم أتباع قيس سعيّد ممن يعتبرهم "الشعب الذي يريد"، هم الواقفون في مقابل العابثين أو الخونة والعملاء، والفيروسات والجوائح، والحشرات والمخمورين وغيرها من الألفاظ التي أثرت المعجم السياسي العربي في توصيف المعارضين ومن لف لفهم وسلك مسلكهم. والأمر لا يتوقف عندهم وإنما يشمل أيضا أولئك الذين سجل عليهم الرئيس تأييدهم لما قام به ثم معارضتهم له بعد ذلك، معتبرا ما قاموا به في باب المفارقة التي لا تقيم لهم حجة بالمنطق الرئاسي.
بالعودة إلى مفهوم التطهير، لقد اقترن تاريخيا بالتصفيات العرقية في ظل أنظمة عنصرية إلى فاشية، مع ما يصحب ذلك من عنف قد يصل إلى التقتيل فضلا عن التهجير القسري. وهذا قد ينتهي إلى الاحتراب الأهلي.
غير ذلك ما معنى التطهير في حدّه الألطف؟ وهل يبقى حدّ ألطف عندما يذهب به رئيس الجمهورية إلى منتهاه من خلال دعوته إلى "تطهير البلاد من كل من عبث بمقدرات الدولة والشعب"؟ ومن يحق له أن يحدد العابثين وما يستحقونه من عقاب أو بالأحرى تعريضهم للتطهير؟ هل هو القضاء أم يتم ذلك طبقا للدعوة التي وجهها رئيس الجمهورية للمواطنين الصادقين أو الوطنيين الصادقين؟ وكيف يمكن لهؤلاء أن يتحركوا في ظل الدولة بقوانينها ومؤسساتها؟ فهل سيتشكلون في أجهزة موازية كميليشيات تحظى بالحماية والحصانة، للقيام بمحاكمات شعبية حتى يحيّدوا العابثين ويضربوا على أيديهم؟ وماذا يبقى حينئذ من الدولة؟ ألا يكون أمرها كله قد تعرض لخطر داهس؟ نعم البلاد يدهسها الخطر ويدوسها.