في المدرسة الابتدائية كنا ننشد الأناشيد الوطنية بكل حماس، وكنا نتغنى بالوطن بكل طرب، وكنا نتعلم رسم النجمة حتى لا نخطئ عندما نرسم العلم على كراس التصوير، أحببناه لكنهم أشعرونا بأننا لسنا منهم، لسنا ملاكة،
وحتى الشهائد التي حصلنا عليها هي عندهم ليست نتيجة العمل والكدّ والذكاء، فهم لا يقدرون العمل ولا الذكاء، وإنما هي من فضل الحاكم، بورقيبة أو حزبه أو ما شابه. جواز السفر مزية من الحاكم، الشغل مزية من الحاكم، وحتى شرب الماء مزية من الحاكم. قَسْمُك يحدده لك الحاكم.
يقتلون فيك كل طموح ولا ينظرون إلى أي عمل تنجزه، كما لو أنهم ينتظرون لك النفي أو الاندثار، لا حق لك في شيء، تخجل حتى أن تذكر بأنه لا حق لك في وظيف. لأنه مكتوب لأناس دون آخرين، تسلّم بذلك تماما، وتصبح تدافع عن ذلك، فتقول بأن الوظائف محدودة، وكثيرة المتاعب، وأنت لست أهلا لها الخ،
والحقيقة التي تستمر إلى يوم الناس هذا أن الوطن للبعض دون الآخرين. لا حق لك في أي شيء، لا امتياز، ولا اعتبار، ولا حتى مجرد تنويه، فقط أن تكون محل تفتيش في محاكم التفتيش. هذا الوطن لا يعترف بمواطنيه. وأنا تعلمت أن لا أشتهي فيه تمرة، فلا تذكروني بعد ذلك.
اعتبروا هذه "وصية وسع". نعم لم يتغير شيء عندي سوى أني أستطيع اليوم أن أعبر عن هذا علنا. غير ذلك، هناك ملاّكة، ولست منهم، وهناك كراية، ولست منهم أيضا. أنا من خارج هؤلاء وأولئك. لست منهم.