يتساءل كثيرون -وربما يتعجب- حول عدم دعم الخليجيين لنظام 25 جويلية الانقلابي، مثلما مدوا أيديهم لنظام السيسي، متسائلين داخل ذلك ألم تكن الإمارات والسعودية مثلا تسعيان بكل الطرق إلى إفشال الثورة في تونس وإفشال المسار الديمقراطي واستبعاد الإسلاميين عن السلطة هنا وهناك، وقد بذلا الكثير من أجل ذلك، ويكفي هنا العودة إلى التغطية الإعلامية التي رعياها، مما يمكن توثيقه إلى حد الآن. فلماذا الإحجام عن دعم انقلاب 25 جويلية ماليا؟
يجيب البعض بأن ذلك يرتبط بما يصدر لهم من ضوء أخضر من وراء المحيط الأطلسي، وهذا قد يكون صحيحا لأنظمة تابعة، ولكن ليس ذلك وحده، وإنما الخليجيون يفكرون مثل كل المستثمرين في ما يحقق لهم الربح الأكيد، ماليا أولا، وإلا لما اتفقوا مع أعدائهم الأتراك حول مشاريع بعشرات المليارات من الدولارات، وحتى الرياضة التي يبدو أنها وجهة أكيدة للسعوديين بعد القطريين، فالهدف منها تحقيق الربح المالي أساسا. ومن هذه الزاوية فهم لا يفوتهم الوضع الاقتصادي في تونس حيث تكشف لهم عنه مؤشراته المختلفة بما لا يشجعهم على الاستثمار هنا.
صحيح هناك من يتصور أن الربح السياسي كاف لإغداق الأموال مثلما حدث في مصر، حيث أغدقوا عشرات المليارات دعما لنظام السيسي، وقد حققوا بفضلها ما استهدفوه من ربح سياسي ليس بالعودة بالوضع إلى ما قبل 2011 فقط، وإنما أيضا باحتلال السعودية مكان مصر في القيادة الإقليمية، غير أن تونس ليست مصر حتى يصرفوا عليها هي الأخرى مثلما فعلوا مع مصر.
-أولا، لأن الزمان اختلف عما كان عليه سنة 2011 وما بعدها بقليل، حيث كانت الخليجيون يخشون من أن تتحول مصر الثورة إلى واسطة العقد في جبهة عريضة لنشر الديمقراطية، بما يهدد الأسس التي تقوم عليها عروشهم، أما وقد سقطت مصر بأيديهم فقد زال الخطر الذي كان ماثلا، ولا يمكن لتونس بمفردها أن تشكل خطرا عليهم.
-ثانيا، لأنهم استخلصوا الدرس من التجربة المصرية، إذ تبين أن أموالهم التي صرفت بدون حدود تقريبا على نظام الانقلاب العسكري، كانت بدون أرباح اقتصادية عليهم، دون أن تتوقف مصر عن طلب المزيد منها، ودون أن تتجاوز أزماتها وانزلاقاتها، وهو ما يسمح بعبرة مفادها أنه ليس من الجدوى وليس بإمكانهم أيضا أن يفتحوا حسابا جديدا لنظام انقلابي جديد.
وبعد فإن أواصر الأخوة والتضامن وروابط الدين والعروبة التي تجمع بين تونس وهذا البلد أو ذاك من بلدان الخليج العربي، إنما يقع تذكرها بقدر نسبة الفوائد المالية التي يمكن أن يحققها المستثمرون.