الجيوش تحدد أهدافا وأهدافا ثانوية في معاركها، وعندما يتحقق الهدف الأكبر يكون المنعرج، هزيمة وانتصار، وواضح من مجريات العدوان على غزة، أن الجيش الصهيوني حدد مجمع الشفاء كأحد أكبر الأهداف، أو حتى الهدف الرئيسي الذي سيكون له ما بعده ميدانيا على المعتدي وعلى المقاومة، بما جعل بعض المحللين يشبّهونه بمطار بغداد عند العدوان الأمريكي على العراق، عندما تحول إلى الهدف الذي على المعتدي الوصول إليه وعلى الجيش العراقي حمايته.
في غزة، الأمر نفسه تقريبا مع مجمع الشفاء، في غياب أهداف عسكرية حقيقية. سبقت الاعتداء عليه، اعتداءات على مستشفيات عدة، كان أولها وأعنفها قصف مستشفى المعمداني حيث سقط مئات الضحايا من شهداء وجرحى، ثم وقعت اعتداءات أخرى أصبحت غير غريبة على آذان العالم، لم يكن آخرها اقتحام مستشفى عبد العزيز الرنتيسي، فضلا عن قطع الماء والكهرباء والغذاء عن المرضى والأطفال الخُدّج.
بمعنى كانت الأمور دعائيا وإعلاميا تتجه نحو جعل مجمع الشفاء رمزا للمقاومة، فإذا ما تم اقتحامه كانت القاضية، وهذا ما يُفهم من اللقاءات الإعلامية للناطق باسم الجيش الصهيوني، وحتى قبل ساعات فقط كان يتكلم عن القضاء على حماس التي جعلت من المرضى دروعا بشرية وتكلم عن إرجاع الرهائن، والمعنى أن المجمع يضم قيادة عمليات المقاومة، وأنه يستعمل لإخفاء الأسرى. وقد أيّدت مثل هذا الكلام أمريكا، من خلال تصريحات أحد كبار مسؤوليها. والهدف من ذلك هو استسلام المقاومة، بالسيطرة على الرمز الذي وقع التسويق له على أنه مركز قيادتها.
وعلى ضوء ذلك اقتحم الجيش الصهيوني المستشفى، وكانت المفاجأة لهم، أنهم لم يجدوا شيئا مما كانوا يتحدثون عنه لا في المستشفى ولا تحته. وبما أن الهزيمة يجب أن تنزل على طرف، فالأكيد أن الطرف المهزوم لم تكن المقاومة، وإنما هم المُعتدون، وأولهم جهاز الموساد والشاباك ووكالة الاستخبارات الأمريكية معا التي كانت مصدر الكذب الذي كانوا يسوّقونه بكل ثقة. كما أنها هزيمة لقادة الصهاينة الذين راهنوا على عملية الاقتحام، حتى يقبضوا على قيادة المقاومة وحيث يجدون الأسرى وتتحقق أهدافهم غير منقوصة. وهي خاصة هزيمة نكراء للجيش الصهيوني، الذي أرادها ضربة قاضية فإذا بها ضربة عشواء أصابت صورته وعقيدته في العمق كتنظيم إرهابي، يزدري بالقانون الدولي.
هذا الجيش الذي هو أقوى من أي جيش آخر على الأقل في دول الطوق، سقط أخلاقيا، إذ استجمع قواه ولم ينجح خلال أربعين يوما إلا في تقتيل الأطفال والمدنيين، وما سيبقى هو أنه استهدف المستشفيات والمدارس ودور العبادة، وفشل بقدر الهزيمة في مستشفى الشفاء، ولن تغطي عن تلك الهزيمة ما يقول إنه وجده في المكان من بعض البنادق. نعم اقتحم المستشفى ولكنه لم يجد قيادة المقاومة وإنما ترك أثره لدى قيادة قادمة سيشكلها أولئك الأطفال الخُدّج والجرحى ممن سيفعلون بالصهاينة مثل الذي فعلوه بذويهم وأهلهم اليوم.