يوم 17 ديسمبر، في شارع بورقيبة حيث يتجسم ما يجول في داخله من تقسيم الشعب ميدانيا، من جهة أنصاره الأطهار الأخيار، ومن جهة أخرى معارضوه الشياطن الأشرار "مواطنون ضد الانقلاب". أنصاره على مدارج المسرح البلدي، حيث يمكن اللحاق بهم من أكثر من شارع، وبدون إزعاج. معارضوه في طرف الشارع يؤدي إليهم مدخل واحد هو المحاذي لجسر شارع الجمهورية للقادمين من الشمال. بقية الأنهج والشوارع مغلقة بسيارات البوليس ومكافحة الشغب وبتعزيزات مكثفة تحيط بالمظاهرة من كل الجهات مع طائرة بدون طيار تحلّق على ارتفاع أمتار.
أنصاره سمح لهم بالأبواق، ومعارضوه احتجزت أبواقهم ولم يسمح بها إلا بعد ساعتين. ومع ذلك، هناك فرق بين وقفة أنصاره الذين ملؤوا قسما من المدارج بعلم كبير، حتى يخفوا عددهم المتواضع، ووقفة معارضيه الذين أجبروا الأمن على فتح قسم من الشارع، بعد أن اكتظ بهم المكان الذي خصص لهم تحت الجسر.
ومع ذلك فالنتيجة أن العشرات فقط جاؤوا لمساندته، وآلاف جاؤوا لمعارضته والمطالبة بعزله. انكشفت الشعبية التي بانت أنها زائفة. بقيت له الحواجز المعدنية التي تقسم الشارع إلى مربعات وتحول دون دخول المواطنين حتى لقضاء شؤونهم الخاصة، وهذا في حد ذاته يعكس الخوف من الشعب والرعب من المتظاهرين. تتذكرون المتظاهرين من كل الاتجاهات وهم يملؤون هذا الشارع في عيد الثورة 14 جانفي من كل عام. اليوم ما يطمئن فؤاده هو وجود سيارات الأمن والحواجز المعدنية التي تغلق الشوارع المؤدية إلى شارع بورقيبة.
تساءلت أين الأحزاب المؤيدة لـ"تصحيح المسار"؟ لماذا لم يلتحقوا بأنصاره أمام المسرح البلدي؟ هل هم غاضبون منه أو من تحويل عيد الثورة من 14 جانفي إلى 17 ديسمبر؟ شخصيا اتجهت إلى مدارج المسرح مرتين لمعاينة أهمية وقفتهم، وتبين لي أن "الشعب يريد" في الجانب الآخر من الشارع، هناك يطالبون بعزله. "الشعب يريد ما لا تريد".
غياب المساندة..
الأحزاب المساندة لقيس سعيّد، هل شاركت بالأمس في وقفة أنصاره على مدارج المسرح؟ الأكيد أن قياداتها لم تظهر هناك. فهل كان غيابهم للتعبير عن غضبهم من خطابه الذي قرّعهم فيه واتهمهم بالكذب والانتهازية والطمع؟ أم كان للتعبير عن إحباطهم من عدم صدور قرارات انتظروها وحرّضوا عليها؟
العجيب أنهم عبّروا عن مساندة ما جاء في ذلك الخطاب وأخرجوا أنفسهم ممن يقصدهم سعيّد في هجومه. حينئذ لماذا تغيّبوا عن المشاركة في وقفة المسرح البلدي التي تم الإعلان عنها منذ أسبوع؟ هل السبب يعود إلى أن مشكلتهم تعود إلى العلاقة بين قياداتهم وقواعدهم، أو إلى شعبيتهم المتواضعة أصلا أم إلى تقلّصها أخيرا؟
هم لم يصدروا ولو بيانا بمناسبة ذكرى "الانفجار الثوري" الذي لم يهزهم مع أنه مثّل كما يقول "الصعود الشاهق في التاريخ". وكأنهم يعبرون عن اختلافهم مع قيس سعيّد في انفراده بتحويل عيد الثورة من 14 جانفي إلى 17 ديسمبر، إلا أنهم لم يسجلوا ذلك في نص أو حتى موقف في البرامج التي يتزاحمون عليها. فبحيث لم يكتبوا بيانا في هذه الذكرى ولم ينزلوا إلى الشارع للاحتفال أو للمساندة أو حتى لتقديم أنفسهم على أساس أنهم يمثلون الشعب بتمامه وكماله. غائبون إلا عن البلاتوهات.