عندما يكون أكبر حدث في الأسبوع هو التقاء رئيسي الجمهورية والبرلمان اللذين لم يلتقيا منذ أكثر من نصف سنة، فذلك يعني أن مؤسسات الدولة قد أصابها التفكك أو على الأقل شلل جزئي.
وعندما تشتغل الحكومة منذ ما يزيد عن خمسة أشهر بدون أحد عشر وزيرا فذلك هو بالضبط المعنى الفعلي لتفكك الدولة. والمسألة لا تقف عند شخص الوزير وإنما تنعكس على كل الإدارات التي تعمل في تلك الوزارات، كلها تصاب بالشلل.
وعندما تتعالى الأصوات مطالبة بالتخلي عن الدستور بدعوى فشله أو عدم ملاءمته لنا، قبل أن تستكمل المؤسسات التي نص عليها ومن بينها المحكمة الدستورية ومؤسسات الحكم المحلي، فذلك هو التجسيد العملي لتفكك الدولة. والهدف الواضح من التفكيك هو إعادة بناء قديم جربناه.
وعندما تتدخل دول أخرى لاشتراء أو دعم هذا الطرف السياسي أو الآخر على الساحة الوطنية فذلك يدخل في إطار تفكيك الدولة، وتحشيد قواها ضد بعضها البعض.
وعندما لا يقع الاعتراف بنتائج الانتخابات والتحريض على الاستحواذ على السلطة بالقوة، فذلك استضعاف للدولة وللديمقراطية، ودعوة إلى الإجهاز على الدولة.
وعندما لا يعي الفاعلون بكل ذلك، ويتحركون دون توقع انعكاسات أفعالهم وأقوالهم على الدولة ومؤسساتها، فإن التاريخ لا يغفل عن تسجيل ذلك عليهم.
قَايْسْ...عَبِييير..
ها هو قيس سعيد يوضح الأمور شيئا فشيئا، وما على حسني النية والطيبين إلا أن يدركوا ذلك، وأن يأتي ذلك متأخرا خير من أن لا يأتي أبدا. أنا نفسي انتخبته وتحمست له ودعوت لانتخابه، ولكن تفطنت مبكرا بأنه ليس من كنت أرجوه رئيسا لبلد قام بثورة وينشد الحرية والديمقراطية.
ولا يمر يوم إلا ويتأكد لي أنه لا يختلف عن عبير موسي، فبحيث يمثلان التقاء الفاشية والشعبوية، تذكروا هل تناقرا يوما؟ هل استهدفته أو هل استهدفها طيلة السيناريوهات التي قامت بها في البرلمان؟ ما هو واضح أن لا مساس.
كلاهما استهدف البرلمان، الفرق فقط أنه استهدفه من خارجه وهي تستهدفه من داخله كأنهما في تناغم. للتذكير أيضا بأنهما استفادا من النظام القائم، ولكنهما رافضان لهذا النظام، وقد دعا قيس سعيد بعظمة لسانه إلى تغيير النظام السياسي نحو نظام رئاسي، أما هي فتتوعد بنسف النظام القائم، مَثَلُها في ذلك بن علي ونظامه الرئاسوي.
كذلك هي ترفض الثورة ومخرجاتها وفي مقدمتها الدستور، وهو أيضا إلى حد الآن لم يتكلم عن ثورة ولم يحتفل بها ويرفض دستورها داعيا إلى العودة إلى دستور 59 الذي لا تختلف عنه عبير في هذا التوجه.
كلاهما استفاد من الحرية التي أوصلته إلى سدة رئاسة الجمهورية وأوصلتها إلى البرلمان. بقي أن المكسب الوحيد للثورة هو الحرية، وها هو البطل يبدأ بإحالة المدونين على المحاكم العسكرية، وعبير التي لبست الزي العسكري لو كانت بيدها لخنقت كل الحريات. هي تبشر بإعادة الدكتاتورية وهو يخطو خطوة نحو نفس الطريق.