صدقوني ما جانيش النوم ليلة البارحة، وأنا التونسي آلمني أن أقرأ البيان وقد أرقت لصدوره، وتفاديت التفكير في أنه جاء ليبرئ العدو من عدوانه، ويعطيه في المفاوضات دعما لا مزيد عنه. شيء يوجع بالفعل.
والمؤسف عندي أن هذا الموقف لا يخرج من حتمية تاريخية، تكاد تكون جبرية. شهد التاريخ أمثالها، يكفي من بينها موقف مصالي الحاج الذي يُعتبر أبو الحركة الوطنية الجزائرية، ومع ذلك ندد بالثورة الجزائرية وبقي معاديا لها. ونسيه التاريخ.
موقف حركة فتح لا يخرج عن هذا مع الأسف لكل الذين عاشوا مثلي زمن أمجاد فتح، بيان فتح هذا يفسر لنا صمت قيادتها الحالية أكثر من خمسة أشهر من العدوان على غزة، صمتهم حتى على العدوان اليومي لجيش الاحتلال وللمستوطنين على الفلسطينيين في الضفة الغربية التي تقع نظريا تحت السلطة التي تحكمها فتح. لم ينبسوا ببنت شفة حتى وهم يشاهدون الاعتداءات الصهيونية في رام الله حيث يقيم أبو مازن وجماعة السلطة.
شرطة السلطة التي تبلغ ستين ألفا لم تطلق رصاصة واحدة ضد قوات الاحتلال، بل أطلقتها على المقاومين الذين يبحث عنهم الاحتلال لاعتقالهم أو قتلهم. وقد قتل بالفعل في الضفة الغربية ما يقرب من خمسمائة من الشبان الفلسطينيين وفيهم حتى أطفال، وفتح صامتة، واعتقل ما يزيد عن سبعة آلاف من الضفة الغربية، وفتح تلتزم الصمت، وربما هي تتابع أكثر النقاش حول رفض وزراء أقصى اليمين الصهيوني تحويل الأموال إلى السلطة، هذا أهم..
لكن، الحقيقة أن مثل هذا البيان الفتحاوي تأخر كثيرا، نعم، وتأخره يعتبر صمودا أمام الضغوطات التي سلطت على فتح وسلطتها في الضفة الغربية من أجل أن تصدر موقفا مشابها منذ يوم 7 أكتوبر المجيد، هي ضغوطات من إسرائيل التي تتحكم في السلطة عن طريق المال، وضغوطات من الدول العربية التي طالما انتظرت أو دفعت نحو مثل هذا البيان، خدمة للكيان الغاصب وللأمريكان. وبإمكانهم الآن أن يمدّوا أرجلهم.
مع الأسف تحولت السلطة الفلسطينية إلى مهزلة، وشطبت حركة فتح تاريخها، كان بإمكانها أن تفعل ما يليق بها في هذا العدوان، وهو أن تصطف إلى جانب شعبها، بلاش في غزة وبلاش تصطف، كان بإمكانها أن لا تقف مع العدو ضد شعبها في الضفة الغربية. ولكن فاتتها اللحظة.