دعك من العرب البائدة التي ابتهجت باغتيال العالم الإيراني فخري زادة، فهؤلاء لم يسبق لهم أن نجحوا في شيء، باستثناء بعض المباريات في كرة القدم، خلاف ذلك هم لا يخططون لأنفسهم، وإنما يتفننون في الخضوع لاستراتيجيات القدر المتمثل في قدر الأقوياء، يكفيهم من كل ما يحدث الفرجة على الأخبار، دون أن يفعلوا شيئا، سوى التعبير عن الشماتة أو التشفي أو ما شابه ذلك أحيانا، ومن أجل ذلك هم مستعدون لكل ما يُطلب منهم، بل ويقترحون بأنفسهم ما يعطونه من جزاء مقابل أن يشعروا بسعادة البلهاء. هؤلاء خارج التاريخ.
اللاعبون الأساسيون في المنطقة هم القوى الإقليمية الثلاث تركيا شمالا، إيران شرقا، أثيوبيا جنوبا، زائد الكيان الصهيوني. بطبيعة الحال العرب البائدة حتى لو اجتمعوا فهم غير قادرين على الحرب قصد الانتصار حتى على جبهة واحدة، إذا استثنينا مواجهاتهم الداخلية، فما بالك بالحرب على جبهتين. فبحيث هم يختارون دور من يقع ابتزازه وامتصاصه.
هذا ينطبق على الكبار فيهم وعلى الصغار تماما أو أكثر، وكبارهم السعودية ومصر، كلاهما في ما يشبه الحروب غير المعلنة على أكثر من جبهة، الأولى مع إيران وتركيا معا، والثانية مع تركيا وأثيوبيا وتتذيل للسعودية فيما يتعلق بإيران.
في المقابل خذوا مثلا إيران علاقاتها جيدة مع الهند، كان يمكن أن تنقلب هذه العلاقات إلى صدام ومجابهات. يكفي أنهما كانا خلال الحرب الباردة في جبهتين مختلفتين وأن الهند وقفت مع العراق ضد إيران خلال الحرب بينهما، لكن الأكيد أن الإيرانيين مقتنعون أشد الاقتناع بأنه ليس من المجدي الدخول في صراع مع قوة مثل الهند لأن نتيجته دائما في غير صالحهم، كما ليس من المجدي بالنسبة إليهم الصراع مع تركيا رغم أنها منافس شديد من أجل قيادة العالم الإسلامي وقد سبق تاريخيا لهما أن تصارعتا خلال الحقبتين العثمانية والصفوية، فبحيث توجههم كان إلى المنطقة الرخوة غربا، المنطقة العربية من العراق إلى سوريا إلى لبنان ثم اليمن. وهم حتى الساعة نجحوا في الوصول إلى البحر الأبيض المتوسط من جهة ومدخل البحر الأحمر من جهة أخرى. وقد حققوا ذلك بسهولة نسبيا، وهو ما لا يمكنهم أن يحلموا به سابقا، لوجود عراق قوي في عهد صدام حسين مثلا، إلا أن تلك السهولة لا تغريهم بفتح جبهة مع الكيان الصهيوني، دعك من الدعاية التي يعرفون أن آذان العرب تشنف لها، والتي إلى حد الآن لا تهدف إلا إلى السيطرة عليهم هم بالذات.
هنا، اغتيال محسن فخري زادة، جريمة تزعج إيران ليس فقط لأنها فقدت أحد علمائها في قطاع حساس، وإنما بقدر ما كشفته عملية اغتياله من حجم الاختراقات في صلبها، فكيف تمكن الموساد أو كارتيل استخباراتي من الوصول إلى هذه الرأس؟ الأمر كما هو واضح ليس متيسرا في بلد محاصر منذ سنين قبل الكورونا، وذي نظام متصلب باستخباراته وقواه المسلحة وإيديولوجيته المغلقة.
واضح أن هناك اختراقا لكل تلك الجدران. إلا أن من سخرية القدر أن الانتشار الإيراني في المنطقة هو ما جعل ذلك ممكنا، ليس فقط لأن قيادات النخبة من الحرس الثوري إلى الاستخبارات، قد توزعت على مساحة واسعة، والدليل أن بعضهم سقط خارج إيران، ومثال ذلك قاسم سليماني الذي نشط في سوريا والعراق، المهم أن هذا الانتشار يترك فراغا أو ضعفا أو اضطرابا في التغطية داخل إيران، وهو ما يسهل الاختراقات.
الاختراقات أيضا من السهل أن تحدث من خلال المرتزقة ممن لجأت إيران -ربما اضطرارا- إلى تجنيدهم من شعوب وقوميات أخرى تحت غطاء التحول إلى المذهب الشيعي، وقد رأينا مثلهم في سوريا حيث جلبت ميليشيات مذهبية من العراق وأفغانستان ومن غيرها، مع هؤلاء المجندين يتسرب العملاء ورجال المخابرات المختلفة، مادامت بقية الطرق صعبة.