لوحظ أن قيس سعيّد لم يتعرض في خطابه ليوم 13 ديسمبر للملف الاقتصادي والاجتماعي، لا أسعار ولا تشغيل ولا ميزانية، وهو ما ينتظره منه مؤيدوه. إلا أنه يعرف أن هذا الملف يحرق الشعبية تماما، ولذلك تحاشاه في خطابه، وقد تبارى المعلقون في تفسير ذلك بالقول بأن هذا الملف موكول إلى الحكومة، وكأن للحكومة سلطة إزاء ما أعطاه لنفسه من سلطات.
وها قد بدأت تنكشف معالم هذا الملف بعد أن كان سريا عن الرأي العام، إذ كشف نور الدين الطبوبي عن جملة من المطالب التي عرضتها عليه رئيسة حكومة الرئيس وتتمثل في تخفيض كتلة الأجور ب10 بالمائة، وتجميد الأجور لخمس سنوات، والتفويت في بعض المؤسسات العمومية ورفع الدعم. وواضح أن هذه المطالب لا علاقة لها بالفئات الضعيفة ولا بالعدالة الاجتماعية ولا بالديمقراطية الاجتماعية، وإنما هي المطالب التي طالما اشترطها صندوق النقد الدولي على الحكومات المتعاقبة وها هو يطرحها مجددا من أجل فتح باب القروض. ولماذا قدمتها نجلاء بودن إلى اتحاد الشغل؟ لأن الصندوق لا يكتفي بالموافقة على تلك المطالب من الحكومة وإنما يجب التوافق حولها على أوسع نطاق، وفي مقدمة ذلك اتحاد الشغل باعتباره أكبر المنظمات الاجتماعية.
وعلى كل فالأكيد أن المضي في تلك المطالب سيزيد في تدهور المقدرة الشرائية، وفي هشاشة فئات اجتماعية واسعة، ولا يتعلق ذلك بالطبقات ذات الدخل الضعيف، وإنما يمس أيضا الطبقة الوسطى. وهو ما سيؤدي إلى تحرك الشارع الاجتماعي.
وحتى يتجنب الظهور بمظهر المسؤول على ما يقع أو أن تستهدفه الاحتجاجات الشعبية، حرص قيس سعيّد على التباعد عن الملف الاقتصادي الاجتماعي، إلا أن ذلك لا يعفيه من مسؤوليته عن كل ما يقع في البلاد في ظل سيطرته على كل السلطات، بمعنى أنه يتحمل مسؤولية الأزمة الاقتصادية والاجتماعية أو القمع الذي يمكن أن تواجه به الاحتجاجات الشعبية.