البعض يحاول أن يحرف الأنظار عن التسريبات نحو مواضيع أخرى، ويدعونك إلى إبداء موقفك في هذا الموضوع أو ذاك، بعيدا عنها. من يفعل ذلك لا يستحق إلا ابتسامة صفراء. هناك آخرون من كل حدب وصوب، رأوا الممارسة اللأخلاقية لمن قام بالتسجيل راشد الخياري، في محاولة لتفادي ما ورد في التسريبات.
نعم هي ممارسة لاأخلاقية لو كانت تمس الحياة الخاصة، أو كانت مفبركة، غير ذلك، ما يهمني فيها هو ما كشفته مما يدور بعيدا عن الأضواء، وما يخرج عن دائرة الفعل السياسي في بلد ديمقراطي إلى دائرة التكمبين بطبيعته اللاسياسية واللأخلاقية. هو فعل لا سياسي لأنه لا يلتزم بأسس العمل السياسي المبني على حد أدنى من النزاهة والعدالة وأقرب إلى التآمر وحتى الانقلاب، وهو لاأخلاقي لأنه مبني على التهديد والابتزاز والانتهازية.
في المقابل لو سمعنا من صاحب التسريبات والمعنيين بها، بأنها مفبركة أو أنها أخضعت إلى التحوير بأي شكل من الأشكال، لما كانت تستحق تعليقا غير التنديد بالفبركة، ولكن بعد أن مر ما يزيد عن الأسبوع على بث أول مقطع منها، دون حراك يذكر من محمد عمار رئيس الكتلة الديمقراطية، باستثناء خروجه الأول على المباشر، وقد ظهر مهتزا بعمق ومضطربا، تأثرا بإيقاع صاحب التسجيل به دون احترام للماء والملح الخ، ولم نره بعد ذلك يتقدم بشكوى ضده رغم توعده بأنه سيفعل ذلك.
ما هو لاأخلاقي في التسريبات هو بالضبط ما هو لا سياسي ولا ديمقراطي في الفعل السياسي الذي كشفت عنه:
- التدخل السياسي في القضاء، تحت تعلة حماية القضاة، ومن قبل من؟ من قبل أكثر من شخص، الأبرز منهم محمد عبو الذي قام حسب تعبير محمد عمار بتفريك القضاء، وهو ما يجعلنا نفهم إصراره على الحصول على وزارة العدل، وإلى جانب عبو نجد نادية عكاشة رئيسة ديوان رئيس الجمهورية قيس سعيّد، وتدخلها يعني محاولة السلطة التنفيذية السيطرة على السلطة القضائية، فهل هناك أفسد من هذا للانتقال الديمقراطي؟
- التدخل في الإدارة، من خلال إغراء نواب ببعض التسميات في سلك المعتمدين، والأكيد أن الأمر لا يقف عند المعتمدين وإنما يهم الولاة وغيرهم، وهذا يعني العودة إلى التسميات حسب الولاءات وعودة الزبونية في أجلى مظاهرها.
- الازدواجية في المواقف، فحزب قلب تونس فاسد إذا استمر في مساندة حكومة المشيشي والتحالف مع النهضة، وهو نظيف إذا تحولت مواقفه وأمضى على عريضة سحب الثقة من الغنوشي. والسياحة الحزبية مستنكرة ومفسدة للمشهد السياسي، ولكنها تتحول عند نفس الجهة إلى هدف لتفتيت أحد الأحزاب البرلمانية ومحاولة شراء أعضائه.
- خرق الدستور من قبل رئيس الجمهورية، من خلال تدخلاته في الحكومة للسيطرة عليها وفي القضاء من خلال رئيسة ديوانه وفي الإدارة كذلك، رغم أنها جميعا خارج ما يتيحه له الدستور، دون أن يتيح له تأويله للدستور ذلك.
وهذه الانحرافات يلتقي فيها اللاسياسي مع اللاديمقراطي مع اللادستوري زائد اللأخلاقي، ولا يمكن أن يذوب كل ذلك في خلطة الماء والملح.