عودة إلى الاستقالات التسع من الكتلة البرلمانية للجبهة الشعبية، يذهب الكثيرون إلى أن الأمر يتعلق بالاختلاف حول الترشح للرئاسيات، والحقيقة أن مرشح الجبهة، -حتى لو كان هناك اتفاق حول اسم واحد، لا يمكن أن يحدوه بصيص أمل في الوصول إلى الدور الثاني فضلا عن الفوز في الانتخابات.
وبالتالي فالصراع على هذا المستوى لا معنى له، خاصة وأن منصب الرئيس هو أقرب إلى التشريفاتي بما يجعل أي صراع حول أحقية الترشح بين أقطاب الجبهة محفوفا بالعبثية، ومن هنا فالصراع يتجاوز هذا المستوى وهو ذو غور أبعد.
وهنا لنذكر بأن الجبهة الشعبية هي تجمع لعشرة أحزاب أو تشكيلات حزبية مختلفة الأوزان، وأهم من ذلك لا تقف على أرض إيديولوجية أو فكرية واحدة. بعضها يسار وبعضها غير يسار حتى لا نقول يمين. وفي اليسار يتكون الطرفان الرئيسيان من حزب العمال والوطد. مع الاختلاف بينهما في الخط الإيديولوجي وفي النشأة والمسار والتجربة.
الأول سليل منظمة برسبكتيف التي تعتبر أول تنظيم يساري من خارج الحزب الشيوعي، والثاني سليل منظمة الشعلة التي ظهرت في فترة كانت برسبتكيف/العامل التونسي تتعرض فيها للقمع والمحاكمات. وضمن التشكيلات غير اليسارية للجبهة نجد أطرافا قومية وبعثية، ولسنا في حاجة إلى التذكير بالعلاقات بين البعث والناصريين على الساحة العربية وبين البلدان التي حكموها.
المهم أن هؤلاء جميعا على اختلافاتهم التقوا في جبهة واحدة هي الجبهة الشعبية، وهو ما يعطي للتجربة التونسية بعض فرادتها أو استثنائيتها. إلا أننا خلال ذلك لا بد أن نلاحظ أن تلك المكونات ليس لها نفس الوزن، أو أن أوزانها تتناسب مع حضورها على الساحة وفي بعض القطاعات، فبينما لا يكاد الكثيرون يعرفون عدد تلك المكونات أو أسماءها، إذا استثنينا المكونين الأساسيين حزب العمال وحزب الوطد الموحد، فإن بقية المكونات تبدو مجهرية أو أن حضورها تستمده من وجودها في الجبهة الشعبية، ولولا ذلك لما اختلف مصيرها عن العديد من بعض المكونات الحزبية التي كان لها حضور إعلامي أهم ولم يعد لها اليوم أي وجود.
وإزاء تلك الاختلافات، كان من المستحيل أن تتحول الجبهة إلى حزب ببرنامج سياسي وقيادة واحدة، أكثر من ذلك استحال التنسيق أو التوافق بين مكوناتها على مستويات أخرى، مثلما حدث ذلك في رابطة حقوق الإنسان بين حزبي العمال والوطد أو في الاتحاد لعام لطلبة تونس أو في اتحاد الشغل.
وحتى لا يؤدي ذلك إلى انفجار كان لابد من موضوع جامع بينها، فوقع توحيد هيئتي الدفاع عن بلعيد والبراهمي في هيئة واحدة، وبالفعل كان التصعيد على هذا المستوى محاولة للبحث عن شيء جامع أو حتى لتجاوز خلافات داخلية. إلا أن هذا التمشي يمكن أن يصلح لبعض الوقت، ولكنه لا يصلح لكل الأوقات. وربما لم يكن هناك حل آخر لتفادي ما وقع، مع الأسف.