أعلن منذ أيام عن إسناد وزارتي النقل والتجارة والصناعات التقليدية تراخيص لبيع سيارة "شيري" صينية الصنع في تونس بأسعار بين 16 و18 مليون، انطلاقا من نهاية سنة 2015. مثل هذا الخبر يعتبر بشرى خير لمن هم من أمثالي ممن ينتمون إلى الطبقة الوسطى ولا يملكون سيارة ولو شعبية. وهذا ما تريده الحكومة بالضبط، فالرهان على الطبقة الوسطى يعتبر استثمارا في الاستقرار. إلا أن هذا الخبر نفسه يكشف عن طبيعة هذه الحكومة التي لم تخرج من الإهاب الذي سُطّر لها ونطق به المهدي جمعة، في توصيف حكومة التكنوقراط التي كان على رأسها، حكومة القضايا الصغرى التي تلهث وراء القضايا اليومية على حساب القضايا القومية. كيف ذلك؟
تكفي العودة إلى الموسوعة الحرة، ويكيبيديا، المتاحة للجميع في العديد اللغات. ويكفي هنا العودة إلى أفضل نسخها، الأنقليزية أو الفرنسية أو حتى الألمانية، أدخل عبارة (Qoros). الشركة التي تصنع هذه السيارة تم بعثها في 2007، تحت اسم Chery Quantum Automobile Corporation وتغير اسمها في نوفمبر 2011 إلى Qoros Auto Co., Ltd. ويوجد مقرها الاجتماعي بمدينة شانغهاي الصينية وهناك تصنع سيارتها. الأهم من ذلك هو أنها ليست شركة صينية بالكامل، وإنما هي شركة صينية إسرائيلية، نعم، كانت أسهمها تعود بنسبة 55 % للصين و45 % للكيان الصهيوني، ثم وقع التعديل في ذلك ليصبح لكل منهما 50% من الأسهم. وهذا يعني أن نصف ما ستحققه الشركة من أرباح سيعود إلى الصهاينة، بما في ذلك تلك الأرباح التي ستتحقق على التراب التونسي. علما هنا وأن السعر الحقيقي للسيارة هو في حدود 3500 دولار أي ما يساوي 7 ملايين ، وحينئذ فالفارق بين ذلك السعر وسعر البيع للمواطن التونسي يتراوح بين 9 و11 مليون. ولكم أن تتصوروا حجم الأرباح التي ستدفع بالعملة الصعبة وكم يعود منها أصحاب الأسهم الصهاينة.
وهكذا ينجح الكيان الصهيوني في اختراق السوق التونسية، ويبدأ في تحقيق ما كان يرجو أن يتحقق بواسطة "مكتبه التجاري" بتونس الذي آذن بفتحه المخلوع قبل يضطر إلى غلقه عام 2000. وأما حكومة النداء التي تسترت عن هذا الاختراق الصهيوني أو -على الأقل- لم تنتبه إليه، وهو ما لا يليق بحكومة تدعي تمثيل شعبها، ما الذي بقي لها أن تفعله ولم تغلق بعد عامها الأول؟ هل تعتقد أن التطبيع يمكن أن يسوقها للطبقة الوسطى؟ أمازال بإمكانها أن تبدع مصائب أخرى؟ وبالمقابل هل يسكت التونسيون هذه المرة ويتنكرون لتاريخهم في الانتصار للحق الفلسطيني وللقضية المركزية للأمة؟ كذلك نواب الشعب الذين من المفترض أنهم يعبرون عن ناخبيهم ممن رفعوا شعار "الشعب يريد تحرير فلسطين"، فهل يسكتون عن هذا التطبيع مع الكيان الصهيوني القادم عبر بر الصين؟ وماذا يبقى للإعلان إن سكت عن طرح مثل هذه القضية وعرضها أمام الرأي العام