لا أقصد هنا بعض المنشطين الذين تشي ألسنتهم بتهافتهم المادي وبؤسهم الثقافي والأخلاقي، ولا ما يتبعهم أو أُلحق بهم من كرونيكارات تلقوا في الغالب تكوينهم في حلقات مشبوهة، على غرار النقرود وما شابهه، وإنما ألسنة بعض الوطد وبعض القوميين.
فقد انتصب هؤلاء يذبّون عن النظام في الرد على الحكم الصادر عن المحكمة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب. كان هذا في برنامج للمنشط العارف بقتلة بلعيد والبراهمي، والذي هدد بالكشف عنهم من سويسرا، لم ننس هذا. وفي الجملة المنشط وسفيان بن فرحات وخليفة شوشان ومحمد المسيليني، يدبّرون على الانقلاب الرد اللائق أو لنقل يتوقعون رد فعله على الحكم.
لفهم الموقف هم لا يمثلون كل الوطد ولا كل القوميين، وإنما شق من هؤلاء وشق من أولئك مازالا يقفان إلى جانب الانقلاب، لم يحيدا عن ذلك، بينهما مساحة للالتقاء قدرها أن الوطد تاريخيا له علاقة مميزة مع البوليس تقريبا ما يشبه علاقة القوميين بالعسكر، تاريخيا.
لكن الحقيقة ليس كل الوطد ولا كل القوميين قلت، وإنما تحديدا من تعاملوا مع نظام المخلوع ووجدوا لهم مكانة في ظله. رأيناهم في الصحافة ومنهم سفيان بن فرحات الذي عمل في صحيفة لابريس الناطقة باسم الحكومة في العهد النوفمبري، آخرون من رفاقه كانوا في لجان التفكير للتجمع الدستوري الديمقراطي، وفيهم من كان في دائرة التخطيط لانقلاب 7 نوفمبر... كذلك في نفس السياق فالمسيليني الذي توزّر خلال العشرية السوداء نفسه كان عضوا قياديا في حزب كرتوني طرزه بن علي نفسه، سُمّي الاتحاد الديمقراطي الوحدوي.
لكن إلى جانب هؤلاء نجد آخرين قد لا يشاركون هؤلاء في تأييدهم للانقلاب، أو يحرجهم ذلك أو حتى يعارضونه بوضوح وشجاعة. وفي كل الحالات ليس لهم حماس هذه الألسنة التي كانت تنظّر أو تخطط أو تبرمج أو تمدح أو تدافع عن نظام بن علي بالأمس وتدافع اليوم عن قيس سعيد. وما يجمع بين هذا وذاك هو علاقتهم هم بالمنظومة القديمة، وتموقعهم في خدمتها كمتوظفين أو ذوي خبرة.
أما حكم المحكمة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، فما هي إلا مناسبة جديدة ليظهروا الولاء ويتباروا في ذلك، رغم أن الحكم ليس له من نتيجة إلا المزيد من تشويه صورة بلادنا تحت الانقلاب، وقد حصل.