ورد بصفحة رئاسة الجمهورية تلخيص لما قاله قيس سعيد لأحد من استقبلهم تهجم فيه على "الذين يظهرون ما لا يبطنون وتسلّلوا بإسم هذا المسار [يقصد 25] دون أن تكون لهم أي علاقة به". الأكيد هو لا يقصد هنا معارضيه الذين سبق أن استعمل كل عبارات الذم والشتم في حقهم، وإنما هذه المرة طال الشيء البعض من أنصاره أو الذين يقدمون أنفسهم على أنهم كذلك، وإن لم تكن المرة الأولى التي ينال فيها القصفُ أولئك الذين ناصروه، وقد سبق أن سمعناه يسفّه من تراجعوا عنه.
بالعودة إلى الأنصار، فالأكيد أن هناك من يساند قيس سعيد اعتقادا بأنه نظيف، كما كان يقول المفسرون أقصد جماعة حملته الانتخابية الذين نعرفهم والذين لا نعرفهم، وهناك من يساندونه من بين من يساندون أي حاكم مهما كان لونه ومهما كان اسمه، وقديما هؤلاء يُسمّون مخازنية، ومن كان يساند منهم نظام البايات دعم بعد الاحتلال النظام الاستعماري، ثم ومن كان مساندا للنظام الاستعماري تحولوا قبيل الاستقلال إلى أنصار للحركة الوطنية يزايدون على المقاومين، ومن كان يصفق لبورقيبة في المساء، خرج في الصباح مهللا لنظام بن علي. هذا معروف.
إضافة إلى مثل هؤلاء المخازنية في صفوف أنصار قيس سعيد، هناك أيضا الطماعون وبطبيعة الحال نجد من بين هؤلاء وغيرهم الشامتون في من حكموا خلال "العشرية السوداء"، وهم لا يقصدون كل الذين حكموا، وإنما النهضة تحديدا، وليس نداء تونس بتفريعاته ولا حركة الشعب ولا التيار ولا اتحاد الشغل من خلال مندوبيه من الوزراء. المهم الشامتون أو الحانقون على النهضة.
لكن إلى جانب هؤلاء يساند قيس سعيد بعض من يخشون المحاسبة، ليس فقط من المنظومة القديمة، وإنما أيضا بعض من عليهم ملفات قد تحملهم إلى السجون ومصادرة من حصلوا عليه دون وجه حق؛ ولعل أشد المتحمسين له، هم هؤلاء تحديدا حتى يبعدوا عنهم الشبهات، والمشكل أن يرهنوا أحزابا لحماية أنفسهم.
يبقى من هم هؤلاء "الذين يظهرون ما لا يبطنون وتسلّلوا بإسم هذا المسار [يقصد 25] دون أن تكون لهم أي علاقة به"؟ ما أفهمه هو أن هؤلاء هم جماعات أو أحزاب في المفرد والجمع، تسلل أنصارهم إلى أجهزة الدولة، وحتى تنجح عملية التسلل التي تمت في غفلة عن الأنظار، يظهر قادة تلك الأحزاب كل علامات الخضوع والقبول والدعم لأي خطوة دون أدنى تحفظ أو ملاحظة، حتى لا يفسد الملعوب على أصحابهم. فيخسرون مرتين، مرة لأنهم ساندوا انقلابا ضد الديمقراطية، وهم يعرفون أن من قامر بمثل ما فعلوا حكموا على أنفسهم بالخسران، وهم من أجل ذلك يخشون أن يفقد أصحابهم المواقع التي تسللوا إليها، وهذا ما هم متمسكون به بنواجذهم. إلا أنه يقول لهم بأنهم لا علاقة لهم بالمسار، وإنما هم منافقون "يظهرون ما يبطنون". وهكذا هم في تسلل.