المكان: الحمامات. الزمان: يوم الأحد 01 نوفمبر. المشهد: عضلات مفتولة، هراوات، قضبان حديدية، تييييت، تدافع، ضرب، دم يسيل، ماناش إسرائيل، ماناش إرهاب، ديغاج يا خماج. هذا من جهة وفي الجهة المقابلة، عصي، قضبان حديدية، تيييت، بلور يتكسر، تيييت... محتوى بيان المكتب التنفيذي: اعتداء فاشي، ميليشيا، التصرفات الفاشية، الفاشية لن تمرّ، أعمال همجية، اعتداءات على الممتلكات والأشخاص، السّطو على الحزب والانقلاب عليه.
كما لو أنها معركة بين عصابتين، أو لا فرق في ذلك بينهما وبين جناحين من نفس الحزب. ولو كان هذا الحزب صغيرا، لهان الأمر، وإنما هو الحزب الحاكم بأمره، ينحدر منه رئيس الجمهورية ورئيس البرلمان وأغلب الوزراء وأغلب المعتمدين وأغلب الرؤساء المديرين العامين وأغلب السفراء والقناصل... وهو ما يعني أن المعركة داخله تنتهي بالتأثير على تلك المؤسسات وعلى الدولة وعلى أداء الحكومة.
المثير للسخرية أن المتحدثين باسم نداء تونس مافتئوا منذ أن ظهر حزبهم يقولون بأنه حزب حداثي، تيييييت، وحزب ديمقراطي، رغم أنه لم يشهد أي انتخابات داخلية إلى حد الآن، ولم يعقد مؤتمرا واحدا في أي مستوى. وها هم يصلون اليوم إلى أن ينعت بعضُهم بعضَهم بالفاشية والهمجية والانقلاب والإرهاب والخماج. ومثل ذلك يقول هؤلاء عن أولئك. تلك شهادتهم من أفواههم، ورسمها بعضُهم على البعض الآخر بالدماء.
بعيدا عن السخرية أو حتى عن الشماتة، فما يحزن حقا في هذا المشهد أن هؤلاء أنفسهم كانوا قبل سنة واحدة قد أقنعوا مئات الآلاف من التونسيين بأنهم الأفضل، وأنهم حزب الإنقاذ الوطني الذي سينقذ الاقتصاد المتهالك، ويجلب استثمارات بمائة مليار دولار، ويحسّن مستوى المعيشة، ويقضي على الإرهاب وعلى البطالة ويصلح التعليم والجباية…
وعلى امتداد سنة، انكشف الحال شيئا فشيئا، واكتشف أولئك الناخبون الصورة على حقيقتها، لا شيء من تلك الوعود تحقق. وزادوا عليها بالعراك والتدافع والتضارب والتشاتم، فاشيون، خماج، انقلابيون. والحقيقة أن هذا أمر منتظر بالنسبة لحزب لم يتشكل كما تتشكل الأحزاب السياسية عادة، بحيث لم يتوفر بين مؤسسيه الحد الأدنى من الانسجام، ولا يقرّب بينهم توجه إيديولوجي واحد، وإنما كل ما جمع بينهم هو معاداة -وليس مجرد معارضة- الترويكا وتحديدا حركة النهضة. والمثير للسخرية أنهم بعد أن بنوا إستراتيجيتهم على التخويف منها قبل الانتخابات وخلالها، تآلفوا معها بعد ذلك في الحكم.
كذلك فإن ما يؤسف له أنهم، شئنا أم أبينا، يبعثون صورة سلبية عن بلادنا، بما ينعكس سلبا على نوايا الاستثمار، كما يشوّهون المشهد السياسي والحزبي، ويعكّرون الوضع الأمني، وما يستتبع ذلك. وهو ما يعني أن هؤلاء أصبحوا حملا على تونس. وهم من الآن فصاعدا مشكلة إضافية ستستهلك من الطاقات والأوقات الشيء الكثير.