617 مليار مليم هي كل ما وقع جمعه من القرض الرقاعي الوطني، وأضيف عبارة: فقط، لأن هذا المبلغ زهيد جدا ليس بحساب الدول فقط وإنما حتى بحساب الأفراد، عندما نتذكر ما صرح به قيس سعيّد نفسه يوم 2 سبتمبر بأن نائبا واحدا -لم يذكر اسمه حتى الآن- حصل على 1500 مليار.
وإذا تم إصدار القرض الرقاعي الوطني من أجل سد العجز في الميزانية الذي يبلغ 9.7 مليار دينار، فإن المبلغ الذي تم جمعه لا يتجاوز جزءا واحدا من 16 من ذلك العجز، وهو لا يساوي إلا حوالي 1.5% من الميزانية، ولتقريبه للأذهان فهو لا يتجاوز أجور الوظيفة العمومية لعشرة أيام فقط.
الأهم من ذلك هو ما يكشفه من دلالات سياسية، كما لو أنه استفتاء على شعبية قيس سعيّد وتدابيره الاستثنائية. نعم، فأن لا يهبّ الناس للاستجابة لدعوة حكومة الرئيس للمساهمة في ذلك القرض "الوطني"، معناه عدم انخراطهم في مساندتها، ولو كانت للانقلاب شعبية أو أغلبية في الشارع كما يدّعون ويحاولون إقناعنا بذلك، لكان المبلغ الذي جمعوه هاما؛ أمّا وأن لا يتم ذلك فمعناه لا وجود لشعبية أصلا للانقلاب ولا لصاحبه، وأن مؤيديه أقلية لا تساوي شيئا وازنا ولا تأثير لهم على الشارع.
قد يجادل البعض لعل المؤيدين هم من الفقراء الذين لا يقدرون على إقراض الدولة. إلا أن هؤلاء لم يقع الاستشهاد بهم للتدليل على "شعبية الرئيس"، وإنما تم الاستشهاد بالمزمرين من أصحاب السيارات، وهؤلاء لا يمكن أن يكونوا من الفقراء. والفقراء ازدادت أوضاعهم سوءا مع التهاب الأسعار بما في ذلك سعر البطاطا، واختفاء بعض الضروريات من السوق بما في ذلك زيت الصانغو والسكر المدعوم.
بمعنى أن القرض الرقاعي الوطني، كان عبارة عن استفتاء لدعم قيس سعيّد، وعندما لا يسفر إلا عن جمع 617 مليار مليم فذلك يعني أن المقاطعة كانت كبيرة، عبارة عن صفعة. في الأثناء دعكم ممن يقولون "بالروح بالدم نفديك..."، كان أسهل عليهم أن يفدوه ببعض المال الذي سيرجع لهم مع فوائده، من أن يفدوه بأرواحهم ودمائهم التي لو فقدوها لن تعود، الكذّابة. والكذب حبله قصير.
617 مليار فقط، هذا الرقم وحده يكشف عن الحجم المتواضع للانقلاب ولأصحابه، مقابل شعبية متزايدة لحراك مواطنون ضد الانقلاب، وآخر دليل على ذلك وقفة 14 نوفمبر التاريخية.