مثل الذي وقع في 25 جويلية، تُستشار فيه القوى العظمى والمجاورة وذات العلاقة لضمان اعتراف دولي، ولطمأنتها على استمرار مصالحها، وأن شيئا لم يتغير فيما يتعلق بتلك القوى. لا جديد على هذا المستوى بالمقارنة مع سائر الانقلابات وحتى لما هو أقل من الانقلابات من أحداث كبرى فكل شيء بينهم يجري بوضوح وبكامل الشفافية، والشعب وحده آخر من يعلم بها أو يُستخدم للمؤازرة. عودوا للتأكد من ذلك إلى انقلاب 7 نوفمبر مثلا، أو قبل ذلك للوحدة بين تونس وليبيا في جانفي 1974. والمسألة لا تُعرض على مقياس "السيادة الوطنية".
وبالتالي لا تقولنّ إن قيس سعيّد فاجأ الجميع، ونحن نعرف أن هذا "الانقلاب الدستوري" تم نشر تفاصيله في موقع "ميدل إيست آي" قبل شهرين ونصف. وحتى لو لم يكن كذلك فلا أحد من الانقلابيين يفاجئ الدول الكبرى ومخابراتها، بل إنها تُستشار وتُبدي رأيها المسبق فيه، إن لم تكن هي التي تخطط له وتأمر به. ولست مدعوا هنا للتذكير بأن أمريكا دعت مواطنيها منذ 12 جويلية أي قبل 13يوما إلى عدم الذهاب إلى تونس. وبعد 25 بخمسة أيام أرسلت مليون جرعة من تلاقيح الكوفيد، فهل كان ذلك محض عمل إنساني وخيري؟ ألا يتضمن موقفا سياسيا؟
أضف إلى ذلك أن مصر والإمارات والسعودية غمست أيديها في الانقلاب ودعمته، فهل تتصورون أنها تعمل ذلك لحسابها الخاص بعيدا عن الولايات المتحدة الأمريكية؟ هل تعتقدون أن الإمارات مثلا تتحرك خارج دور المناولة لفائدة أمريكا؟ هذا إن اقتصرنا على الموقف الأمريكي، وأما فرنسا فحدث ولا حرج، دعنا من قول سعيد "حماية لا استعمار"، الكلمة المفتاحية في علاقته مع المتروبول، وهي لم تتورع رغم المد الثوري في 2011 عن التعبير بكل صراحة عن مؤازرتها للمخلوع بالقنابل المسيلة للدموع، فكيف لا تسعى إلى ضمان مصالحها وأحزابها ونخبها وبرامجها ؟ وهل يمكن أن يدخل خيط في خياط دون مشورتها ؟
هل تعتقدون أن فرنسا فاجأها ما وقع في 25؟ ألا يكشف حرص ماكرون على متابعة الوضع مع قيس سعيد، وحديثه عن وجود "خريطة طريق"، على حرص على نجاح الانقلاب؟ إيطاليا، ألمانيا، لم تسمعا بالانقلاب قبل وقوعه؟ من يعتقد ذلك كأنما هو يقول بفشل كل مخابرات تلك البلدان التي لها عملاؤها في كل مكان في بلادنا. الأمر معلوم عندهم تماما، بقدر ما لا علاقة لذلك بشعار السيادة الوطنية.