من وجهة نظر تاريخية بحتة الباجي قايد السبسي ما بعد 2011 ليس هو نفسه ما قبلها. والسبب هو أنه رَكَن في الأثناء إلى كتابة مذكراته التي صدرت في 2009. وبقطع النظر عما تضمنته وما لم تتضمنه تلك المذكرات، فأعتقد أن الرجل بعد الكتابة اختلف عنه قبل الكتابة. لقد سنحت له الفرصة أن ينظر إلى نفسه من عل. واعتبر من مسار حياته. ولذلك فالباجي الذي تولى الرئاسة لم يكن نفسه الباجي الذي تولى قبل ذلك عدة مناصب سياسية على امتداد حوالي أربعين عاما.
بمعنى أن الكتابة حتى ولو كانت تقتصر على كتابة المذكرات، تصنع صاحبها، وتؤثر عليه أكثر مما يكسبه من تجربته على أهميتها. فما بالك لو أمسك الواحد منهم القلم ليعطي آراءه من قضايا فكرية أو نظرية أو استراتيجية.
السياسيون الموجودون على الساحة أمامنا، ترى ماذا كتبوا؟ هل ضمّنوا أفكارهم مؤلفات، استفادوا منها هم، ويمكن أن يستفيد منها من يقرأ لهم؟ هل يكفي الواحد منهم، أن ينتج تصريحات حينية في وسائل الإعلام حتى يعتبر زعيما؟ حقيقة، كيف يمكن لمثل هؤلاء أن يؤثروا في دوائر أحزابهم؟ وحتى لا تُستغل هذه التدوينة ضد الأحزاب، فقيس سعيد أيضا، لم يكتب شيئا، هو الآخر، كما لو أنه يكفيه بعض الظهور التلفزي؟ أن تركن إلى الكتابة معناه أنك تنتج أفكارا، ومن لا ينتج أفكارا لا يستطيع أن يقود ولا أن يؤثر.
لا يكتب ولا يقرأ؟
يتفق الكثيرون أن بورقيبة استمد زعامته مما كان يسميه الاتصال المباشر. هذه الفكرة كان يركز عليها هو نفسه. إلا أني أرى أن الأهم من ذلك أنه بدأ حياته السياسية بالكتابة واستمر عليها، وهو ما مكنه من تعميق أفكاره وفهم الشأن العام.
سياسيونا في أغلبهم ليس لهم النفس حتى لكتابة مجرد مقالات، لم يكتبوا لا قبل 2011 ولا بعده. ومع ذلك وجدوا أتباعا وكانت لهم الجرأة ليقودوهم، وأكثر من ذلك تراهم يطمحون إلى أن يحكمونا.
السياسي الذي لا يكتب نصف أمي، والنصف الثاني نعرفه إن كان يقرأ ويتابع ما يُكتب أم لا. وفي العادة من لا يقرأ لا يتجرأ على الكتابة.