مازالوا يقدمون أنفسهم على أنهم أعضاء الحملة التفسيرية، حتى بعد ما يزيد عن السنتين من انتهاء ما يسمونه -خلاف باقي المرشحين والناخبين- بالحملة التفسيرية التي هي تسميتهم -هم دون غيرهم- للحملة الانتخابية. يأتون لتفسير برنامج الرئيس الذي يريد تطبيقه على حد قولهم، والذي لم يسبق أن قدّمه للناخبين.
لست أدري هل هو الذي فسّر لهم كلاما جرى بينه وبينهم فجاؤوا ليعيدوا لنا تفسيره، أم أن برنامجه جاء في كتاب ملوّن مثل الكتاب الأحمر لماو تسي تونغ أو الكتاب الأخضر للقذافي، إلا أن الفرق أن الكتابين الأحمر والأخضر كانا يوزعان مجانا، وهذا الكتاب الجديد الذي لم نره كما لو أنه حكر على المفسرين، فهم وحدهم يطلعون عليه ليفسروه لنا بعد ذلك، ولكن لماذا لم يطبع هذا الكتاب ليباع في الأسواق أو حتى يوزع مجانا لعله يصل إلى جمهور عريض لا يصل إليه المفسرون؟
وللتوضيح، فإنه لم يسبق لقيس سعيد أن نشر كتابا طيلة حياته في الجامعة، إذا استثنينا ذلك الكتاب المعنون "نصوص ووثائق سياسية تونسية" الذي هو عبارة عن مختارات من النصوص والوثائق من مصادر مختلفة، ولم يقم بذلك بمفرده وإنما مع العميد عبد الفتاح عمر. فهل وجد وقتا للكتابة بعد الجامعة؟
وحينئذ يحق السؤال: ماذا يقرأ المفسرون في غفلة عنا أو في غرفهم السرية، حتى يأتوننا بعد ذلك ليفسروه لنا؟ وقد سمعت أحدهم يتكلم عن حل للإنسانية، كما لو أنها رسالة سماوية أو نظرية أممية تستوجب حواريين أو مفسرين مثل الذين نسمعهم؟ ما هو المستوى العلمي والثقافي والفكري لهؤلاء الحواريين حتى يتبوؤوا دور المعلمين لشعب وجودهم يفترض أنه أمي وجاهل وعاجز عن القراءة وعن الفهم، وأنهم هم أعلى درجة وأعلم وأثقف منه ومن النخب التونسية في كل اختصاص؟ لماذا لم يسبق لنا أن رأيناهم في الساحة الثقافية أو الفكرية؟ ولماذا لم يسبق لنا أن قرأنا لهم كتبا أو مقالات؟ فكيف جاءتهم هذه الكفاءة، والموهبة، والجرأة دفعة واحدة؟ من أي خندق جاء هؤلاء المفسرون؟