الشعوب التي تتقدم هي تلك التي تكون لها تحديات، أي في مستوى أعلى بكثير من الشأن اليومي أو من الشأن العام، وإنما تحديات خارجية تحديدا من شأنها أن تشحن الجميع لمواجهتها، وهذه التحديات تكون مولدة لمختلف الإنتاجات المادية واللامادية، وتدخل في تكوين الشخصية القاعدية.
هناك عدة شعوب تعيش هكذا، أما نحن فلم يكن لنا ما يجمع بيننا اللهم ما رسخ في دواخلنا من صراعات وأحقاد، كحصيلة لعقود أو قرون من الحكم العضوض؛ فقد حُكمنا بمبدأ فرق تسد، أو بمنطق الجهة، أو الحزب، أو الملاكة والكراية، فبقينا حيث كنا مدة عقود وعقود. بلا بوصلة تقريبا، كأنما اجتماعنا في ظل واقية في انتظار مرور حافلة، تحمل كل واحد منا إلى وجهته.
في الجغرافيا التي نحن فيها، لا يمكن أن يكون لنا أعداء، ليس فقط لأننا نشترك معهم في كل شيء تقريبا، وإنما لأننا أيضا لا يمكن أن نعادي من هو أقوى منا، فيرتد علينا الموقف. أكثر من ذاك، أكاد أقول نحن ضحية موقعنا الاستراتيجي، الذي لا نستثمره ولا نستفيد منه، بل أنه إلى حد الآن وفي كثير من الأحيان مجلبة للمشاكل وللاستقواء علينا والتدخل في شؤوننا.
لا أكرر ما قاله البعض إن لم يكن لك عدو فاصنع عدوا، ليس فقط لأننا شعب مسالم، وإنما أيضا لا تتوفر لدينا المقومات حتى نعادي شعبا آخر أو بلدا آخر ولا يوجد بيننا أو قربنا بلد في مثل حالنا نمارس عليه ما يمارسه جيران متنافرون.
لكن كبديل عن ذلك يمكننا أن نتفق جميعا على أن لا نترك كائنا من كان يفرض علينا نفسه بالقوى، وعلينا بالتالي أن نتحرر، بمعنى أن نجدد السعي للتحرر الذي لم يكتمل بالحصول على بروتوكول الاستقلال، نعم التحرر من فرنسا، لأنه بدون ذلك لا تستطيع بلادنا أن تستكمل مقوماتها، وهو شرط يفتح أمامها الطريق للتقدم والازدهار. وفي هذا الطريق لسنا وحدنا، وبلادنا أصغر من أن تتحرر بمفردها فيجب أن تتكاتف الشعوب المخضّعة من أجل تحررها جميعا. غير ذلك نبقى ندور حيث نحن منذ عقود. التحرر وحده يفتح أمامنا السبيل حتى نلتف حول هدف واحد محوره هذا البلد في اتجاه آفاق أرحب.