أفهم أن تزعج عبارةُ الانقلاب الانقلابيين، فكل الذين انقلبوا نعتوا ما قاموا به بأنه ثورة أو تصحيح مسار أو ما شابه ذلك. وقد أثبت التاريخ أن الشيء الوحيد الذي طوّروه واستثمروا فيه هو الدعاية، وأما ما اعتبروه إنجازات ضخمة فقد تجاوزه الزمن الآن، والأكيد أن لم يُحدث أي انقلاب أيّة نقلة نوعية في بلد من الدنيا العربية مثلا ولا غيرها.
يشهد على ذلك واقع هذه البلدان التي مازالت جميعها حيث كانت منذ عقود، لم تحدث فيها تنمية ولا ازدهار ولا تقدم ولم تتحقق فيها عدالة ولا حرية ولا وحدة، وكأنما حكم عليها بالخروج من التاريخ. ذلك أن الانقلابات تؤدي إلى نتائج بعيدة المدى، إذ تزرع عقلية التواكل والاستقالة وتقضي على المبادرة والمشاركة وتزرع الخوف والرعب.
وما وقع في 25 لن يخرج عن ذلك، بل سيخلف خطيئتين إضافيتين:
- الأولى، أنه جعل بلادنا في دوامة التدخل الأجنبي، حيث تداعت دول كبرى وأخرى قزمية تريد أن تؤثر وتوجّه الأحداث، وهو ما نال من السيادة الوطنية. صحيح أن بلادنا كانت على مدى عقود حديقة خلفية للمستعمر القديم، إلا أن ذلك كان يدور تحت الطاولة، ليس مثلما أصبح عليه الآن في العلن. كما تنوعت التدخلات الخارجية من كل حدب وصوب حتى من كيانات ليس لها من مقومات الدولة إلا العلم والشعار والاعتراف الأممي. وما كان ذلك ليحدث لولا ضعف الجبهة الداخلية.
- الثانية، أن الانقلاب أقحم المؤسسة العسكرية في السياسة، وهو ما لا يتماشى مع تقاليدها ومع طبيعتها ولا مع عقيدتها وتاريخها. بما يرتد بنا إلى أوضاع بعض بلدان المشرق العربي. وصورة الدبابة في حرم مجلس نواب الشعب خير معبر على هذا الانحراف الخطير.
خطيئتان من السهل زرعهما، ولكن يصعب اقتلاعهما أو تجاوزهما في مدى منظور، وستبقى نتائجهما حتى بعد قيس سعيد. لقد كنا نفخر بالاستثناء التونسي في المحيط العربي بفضل وجود نخبة واعية ومتينة التكوين وخاصة بفضل مجتمع مدني حي ومنظم، إلا أن الانقلاب لن يعيش إلا على حساب تلك النخبة وذلك المجتمع المدني.