قبل 90 يوما من تاريخ الاستفتاء، أعطت سيغما كونساي لقيس سعيد نسبة 84.2% في نوايا التصويت في سبر الآراء لشهر أفريل 2022. ومثل هذه النسبة لا تنزل إلا قليلا لترتفع في الشهر الموالي وهكذا، حتى أصبحت من الثوابت التي لا تُمس، ولعلها هي التي جعلته يعتقد بشعبية كاسحة، وهو ما سمح له بأن يتكلم باسم الشعب، وأنه وحده المعبر عن "الشعب الذي يريد".
وأما الزرقوني فيبدو أنه أصبح سجين تلك النسب، فلا يستطيع أن يخفض فيها، خشية أن يُلحق الضرر بمؤسسته في الجمهورية الجديدة، وخوفا من أن يعتبر ذلك خدمة مجانية للمعارضة، وهو بالتالي مضطر للتمادي في تقديم نسب تبعد عن سقف التسعين لتقرب منه من جديد.
والنسبة التي أعلن عنها الزرقوني في أفريل 2022، تقود إلى الاعتقاد بأنه في صورة تنظيم انتخابات رئاسية، يفوز بها قيس سعيّد بالضربة القاضية، من الدور الأول ودون انتظار الدور الثاني. ومما يؤكد هذه الضمانة عنده أن نسبة العزوف لا تتعدى 15.8%.
ومن هذه الزاوية فإن استفتاء يوم 25 جويلية 2022 جاء كامتحان حقيقي، ليس لدستور سعيّد فقط، وإنما لحسن الزرقوني وسيغما كونساي. فبحيث لم تتجاوز نسبة المشاركة ربع الناخبين، 27% عوض 85% التي أعلنها الزرقوني قبل 90 يوما، وبلغت نسبة العزوف والمقاطعة ثلاثة أرباع الناخبين أي 73% عوض 15% التي أعلنها الزرقوني قبل 90 يوما. ولا يمكن لهذا الاختلاف الجذري أن يحدث في 3 أشهر فقط، وإنما هو يكشف أن الأرقام التي كانت تُعلن إنما هي أكاذيب.
وفي نفس الإطار، لو كان قيس سعيد يحظى بنسبة 84.2% من أصوات الناخبين مثلما أعلن الزرقوني ذلك في شهر أفريل الماضي، لرأيناهم يوم الاستفتاء يقبلون على مكاتب التصويت، ولكانت نسبة المشاركة ساحقة.
ما كشفه الاستفتاء هو أن مؤسسة سيغما كونساي كانت تكذب. وغلّطت قيس سعيد نفسه في نفسه، حتى اعتقد أن الشعب بالفعل معه، فإذا بالاستفتاء يكشف أنه رغم تسخير الأجهزة الإدارية وإمكانيات الدولة لفائدته ورغم المليارات التي صرفت على الاستفتاء، لم يشارك فيه إلا ربع الناخبين، هذا إن صدقنا أرقام الهيئة المنصبة للانتخابات، ومثل هذه النسبة في انتخابات رئاسية ربما ترشح قيس سعيد للدور الثاني، أقول ربما، والأكيد أنها لا يمكن أن تعيده إلى قصر قرطاج، لأن هناك 75% ليسوا معه، ولا علاقة لها بنسبة 84.2% التي أعطاها له حسن الزرقوني، في محاولة لتغليط الجميع بها.