التسريب حتى وإن لعب به المقص، لا بد وأن الأصل صحيح، فالمقص لا يمكن أن يكوّن جملا جديدة على لسان نادية عكاشة. وعلينا بالتالي أن نولي الأمر حق قدره. ولا يمكن جعله موضوعا للتندر أو السخرية، لأن التسريب نفسه جعل منا جميعا مسخرة.
نتذكرها في هدوئها ولياقتها وصمتها، عنصرا قارا في كل اللقاءات الرئاسية تقريبا. كان من المسموح لها بأن تطلع على كل شيء، وتحضر كل الاجتماعات التي يَسمح أو لا يَسمح لها بحضورها القانون أو البروتوكول أو العرف. فهي بالتالي الصندوق الأسود للقصر خلال ما يزيد عن السنتين، وبالتالي فلما نكون قد سمعنا ما سمعناه منها من تسريب، فهناك ما هو أخطر.
وليس الخطر هنا في أنها دليل إضافي على سوء اختياراته، وسوء معارفه وسوء من يستثيقهم ويقربهم منه، ولم يكن هناك أقرب إليه من نادية عكاشة.
كذلك الخطر ليس في ما كشفته عن مرضه، وعن سلوكاته وردود أفعاله، وليس في تعليقها المستهتر والمؤسف حول خوفه، أو بالأحرى اضطرابه وهو يقابل ماكرون. رغم أن هذا مؤسف بالفعل ويحز في القلب أن تقول ذلك عنه.
وإنما الخطر في أنها عرفت وتعرف كل شيء عن الدولة، بمن فيها من سامي إطاراتها ومؤسساتها المدنية والحاملة للسلاح، والخطر تحديدا في أنها على مرمى حجر من جواسيس الدنيا، وكأن هذا التسريب جاء ليقدّم لهم فريسة في المتناول، وبإمكان كل وكالات المخابرات أن تحصل منها على ما تشاء، شاءت ذلك أم أبت.
نعم والدولة التونسية هي من سيدفع الثمن. وكم سيكون مكلفا سوء اختيارها وتسميتها وزيرة مديرة للديوان الرئاسي، بكل السلطات التي نتصورها أو تعزب عن تصوراتنا. وسيكون ذلك الثمن من مكانة بلادنا وصورتها ومن أمننا القومي. وذلك ما يدمي القلب وأكثر. حزين.