النقاش التي كنت طرفا فيه بالأمس في أحد مستشفيات العاصمة، جعلني أدرك انفجار النزعات والمشاعر العنصرية، كأن شيئا كان مضغوطا، ثم سمح له الخطاب الرئاسي بأن ينطلق حرا من كل القيود، بعيدا عن كل القيم وبطلاقة لا توصف، آراء وتعابير تعود إلى ما قبل جانفي 1846، العودة إلى ما قبل قبل الوراء، عنصرية عرقية مقيتة مخلوطة بكره الأجانب.
شيء يشبه بالتأكيد ما يشعر به ويعبر عنه ويسعى إلى تنفيذه اليمين العنصري المتطرف في أوربا إزاء المهاجرين. وإن كان ما يخفف من وقعه هناك أنه لا يمالئه اليسار، ولا يجد له صدى عريضا في الشارع، ولا تنزل الأصابع المنددة به.
في هذه اللحظة التي أكتب فيها، وفي هذه اللحظة بالذات التي تقرؤون فيها هذا النص، هناك أناس مثلنا تماما في الإنسانية، يختفون من الأماكن العامة، ومن مواقع عملهم الهش، كأنما عاد الكوفيد فجأة، ولكنه كوفيد عنصري هذه المرة، فلم أر أحدا منهم في سوق المروج اليوم الأحد. كما لم يظهر "ستيفان" ذلك العامل النشيط الذي كان يقوم بكل الأعمال في محل بيع الحلويات بالجملة في المروج. ولي أن أتخيل خوفهم من أن ترصدهم الأعين، لو خرج أحدهم لاشتراء خبز أو ما يأكلون، ولو مرض أحدهم كيف يمكن معالجته وهو في مكمنه؟ ولعلهم يتساءلون إلى متى تستمر هذه الأوضاع؟
في مجتمع يتصاعد فيه الكره والتشفي وما جاور ذلك من مشاعر الشماتة والحقد والبغض والإيجاع المتبادل، ليس غريبا أن تكتمل تلك المشاعر المَرَضِيّة بصبغة عنصرية مقيتة، ما دام المستهدف في وضع هش، وبطريقة تقتبس كثيرا من صيد الساحرات في العصور الوسطى، ما قبل قبل الوراء.
وفي مشهد يختلط فيه الوجع والسخرية، ها هو تونسي يقع شحنه مع المطاردين بسبب لون البشرة، ليعلن في آخر الأمر بأنه قرر أن لا يخرج حتى تمر هذه الفترة. وها هو تونسي آخر كاد يتعرض إلى الاعتداء بالعنف من تونسيين آخرين لا صلة له بهم، وإنما فقط بسبب لون بشرته. أي انحطاط هذا؟ هل هناك بلد آخر يحدث فيه مثل هذا وتعبر فيه العنصرية عن عنفوانها؟ أي حضيض هذا.