وَلا بُـدَّ لِلَّيـْلِ أنْ يَنْجَلِــي وَلا بُدَّ للقَيْدِ أَنْ يَـنْكَسِـر
اول 20 مارس بعد الثورة... كان يوما احتفاليا رائعا... شاركت فيه كل الفعاليات الجمعياتية والسياسية والنقابية والثقافية... في نفس الشارع... شارع الجبيب بورقيبة والثورة... ثم يوم 9 أفريل كان الأمر سيان... لإحياء ذكرى شهداء تونس من أجل برلمان تونسي يكرس السيادة الشعبية ضد الاستعمار... وللترحم عليهم وعلى شهداء الثورة التونسية التي أعطت أملا في الحرية للكثير من الشعوب التي ترزح تحت الإستبداد والفساد.. وكان الجميع فرحا ومتفائلا... والكل يدلو بدلوه حسب رأيه في كيفية الانطلاق بتونس للعلالي..
ولكن... ولكن...وبعد مرور عقد من الزمن...تحيي تونس اليوم ذكرى الإستقلال في وضع ينذر بأخطار جسيمة مجتمعة لم تشهدها من قبل... منذ الإستقلال...ينذر في نفس الوقت برجوع الحكم الفردي المطلق ورجوع الإستبداد الغاشم... إضافة لتفاقم وضع اجتماعي واقتصادي أشنع مما كان عليه الأمر قبل الثورة... والبلاد مهددة في كل وقت بالإفلاس والمجاعة... ومزيدا من البطالة والتهميش الاجتماعي والجهوي.. وانتكاسة أشنع على كل المستويات... إضافة لوضع عالمي جديد اصبح بدوره اكثر تأزما وينذر بمخاطر جمة... وأقلها مجاعات هنا وهناك للنقص في المواد الأساسية وارتفاع سعر المحروقات....
ولماذا وصلنا لهذه الهاوية؟
وصلنا إليها لأن من حكموا البلاد في الأول... إلى حدود الإنقلاب على الدستور.... لم تكن في في أولوياتهم تحقيق استحقاقات الثورة.... ولا تطبيق وتفعيل دستور ديمقراطي وافق عليك الجميع لتثبيت الانتقال الديمقراطي ببعث وانتخاب المؤسسات الديمقراطية التي تضمنها.... وتغيير قوانين الإستبداد والمنظمة للفساد المخالفة للدستور.... وللحيلولة دون الإنقلاب عليه... والإعتداء على أمن الدولة الداخلي.
ولم تكن النهضة وحدها المسؤولة على ذلك.... كما يدعي البعض... إما للتغطية اليوم على مشاركته لها في الحكم مثل الحركة الشعبوية وغيرها.... أو للتنصل من المسؤولية التاريخية في تخريب استحقات الثورة وعدم تطبيق الدستور مثل النداء وفلوله وغيرهم ممن دعوا للتصويت له سنة 2014 او تحالفوا معه في الحكم في إطار توافق مع النهضة...او مثل عبير بن علي التي زادت في الطين بلة بتخريب مجلس نيابي فيه شبهات عديدة على شرعية انتخاب جزء من أعضاءه بالمال الفاسد.. وذلك بتعطيل أشغاله طيلة سنتين وتقديم ذريعة للمنقلب للإنقلاب على الدستور جملة وتفصيلا.... وليس ضد النهضة!!!! ... الخ..
ثم وهذا بيت القصيد اليوم....
أمام فشلهم جميعا...انتخبوا جميعا... ودعوا لإنتخاب نكرة سياسية....شعبوية ومأدلجة... متشيعة لتيار سياسي ميكروسكوبيكي عالمي... دغمائي.. ويطرح نظام شمولي... بدون التثبت والتمحيص في خلفياته... بدعوى محاربة الفساد... والكثير منهم للتنصل من هذه الشبهة!!!
أجمعو... لانهم مشغولين على التدافع على السلطة والتمكين من الحكم وجهاز الدولة ومنافعه...أو لانهم سقطوا في الهرطقة السياسية... على انتخاب مترشح يعتبر الاستعمار حماية... وضد وجود برلمان أصلا كما كان الشأن في الأنظمة القروسطية قبل ظهور النظام التمثيلي للسيادة الشعبية ...
والحال ان البرلمان الذي استشهد من أجله تونسيين زمن الاستعمار... هو السلطة الأصلية في كل مجتمع ديمقراطي عصري... ولا شيئ سواه.... لأنه من يشرع القوانين التي تنظم حياة المجتمع... و تخضع له كل السلطات الأخرى التي تحترم قيم الجمهورية الديمقراطية العصرية...علاوة على أن هذا المترشح هو ضد قيم المواطنة والمساواة بين الجنسين...وقالها بكل وضوح قبل الانتخابات!!!
ولأول مرة في تاريخ تونس... تصوت النهضة ومن معها....والتيارات "الوسطية "... وجزء من فلول النداء ومن فلول التجمع.... وجزء من الحدثوت الثقفوت... وجزء من اليسار، ذلك الجزء الاستئصالي للنهضة ومن معها... والذي يعتبرها عدوا وليست ضمن دائرة المواطنة ويجب استئصال كل من منهم على بكرة ابيهم ....إضافة طبعا للتيارات الشعبوية بمختلف أشكالها... تلك التي لا تزال تعنعن في دعاية أنظمة استبدادية قومجية انقرضت.... كلهم تحالفوا مع بعضهم البعض... للدعوة للتصويت لنفس الدكتاتور المرتقب!!!
وهذا يعني منتهى الهرطقة السياسية!!! واللامسؤولية السياسية... حتى لا أقول انتهازية سياسية... ودمغجة ونفاق سياسي... هؤلاء جميعا.... وضعو أنفسهم آنذاك في نفس السلة!!! لانتخاب دكتاتور شمولي مستبد انقلابي يخطط للإنقصاض على مكاسب الثورة!!! .... واليوم يتعللون بتناقضات تناسوها آنذاك... لرفض المواجهة معا من أجل التخلص من الاستبداد والحيلولة دون انهيار البلاد وعبادها إلى الجحيم!!!
والحال ان المترشح هذا للدور الثاني....كان صريحا...وصرح قبل انتخابه انه يترشح لوضع دستور حكم فردي مسقط...للتخلص من دستور الثورة الديمقراطي... الذي منع الحكم الفردي...فلم يأخذوه على محمل الجد... أو أنهم لا يقرؤون وهذا أشنع!!!
والحال أن دستور الحكم الفردي هذا جاهزة ملامحة وحتى في العديد من جزئياته قبل الانتخابات ... وتعرف الجميع من بعد على خطوطه العريضة من خلال ما ورد بالأمر نومرو 117.. وبالمرسوم المنقلب على المجلس الشرعي للقضاء... وبمشروع تنقيح قانون الجمعيات...وبما يتردد من نوايا للنيل من الهيئات الدستورية التعديلية.... والأحزاب... وإسقاط من فوق لنظام انتخابي من جانب واحد قبل الإنتخابات لتغيير قوانين اللعبة الانتخابية ضد الخصوم السياسيين .. الخ..
ولتمريره.... نظم "استشارة" الكترونية.... وهي سابقة في العالم...وليست سوى عملية تحيل واسعة النطاق...لا تسأل الناس بالوضوح حول مسائل دستورية جوهرية تتعلق بقيم الجمهورية وكيفية ضمان الحقوق والحريات والمؤسسات الدستورية... ولكن حول مسائل فضفاضة ذات طابع شعبوي...ولم تشرك القوى الحية في المجتمع والحال ان الدستور يعنيها مثلما يعني الحاكم بأمره لأنه يطبق على الجميع بل إنها حيكت في الغرف المظلمة..
هذا علاوة على عدم الإشراف عليها من هيئة مستقلة وأعمالها تكون شفافة لمنع التدليس... بل هي مجراة من طرف الخصم السياسي نفسه ولفائدة مشروعه السياسي المنزل.. واستعملت فيها كل الخزعبلات الممكنة...الخ... في نفس الغرف المظلمة..
وهي تذكرنا بالاستفتاءات المدلسة... التي تجرى في أنظمة الإستبداد...
ولكن من المسؤول الرئيسي سياسيا يا ترى... عن كل هذا ؟
المسؤول الأساسي.... الأول.... و المحدد هو أنا.... وانت.... وانتم.... ومجمل القوى الديمقراطية والاجتماعية والثورية...التي تؤمن بقيم المواطنة وقيم الجمهورية... وبالحرية... و ضمان الحقوق الإجتماعية والاقتصادية والثقافية والبيئية.... للجماهير العريضة... وتركتهم يعيثون فيها...
فهل كنتم تعتقدون ان خصومكم السياسيين الذين حكموا منذ الثورة.. ولا يؤمنون بما تؤمنون... سينفذون برامجكم؟ عندئذ فأنتم إما انكم غالطتم الشعب منذ الثورة وقدمتهم له وعودا زائفة وانتم تعلمون... أوانكم سياسيون أغبياء ولا تَصلحو ولن تُصلحو...
فمنذ متى يقع الاتكال على الخصوم السياسيين لتحقيق برامج المعارضة؟ أليس هذا موقف انتهازي... وتغطية للفشل.. وتهرب من المسؤولية التاريخية؟
و عليه..
فكل من يواصل مساندة الإنقلاب على الدستور .... وتفكيك دولة الإستقلال... والإعتداءات المتواصلة كل يوم أكثر على هذا الدستور ... وتفكيك المؤسسات الديمقراطية المكتسبة بالثورة...ومباركة الإنتهاكات والاعتداءات المتفاقمة على الحريات وحقوق المواطنين... وعدم التصدي لسقوط تونس في الهاوية الاقتصادية والاجتماعية بشهادة مختلف الخبراء من مختلف المدارس والتوجهات.... هو عدو حرية وحقوق الشعب ومكتسبات واستحقاقات الثورة... حتى لو ادعى خلافه... وحتى لو ان جزء من هذا الشعب غير مدرك اليوم انه يسير بسرعة نحو تلك الهاوية بقيادة المنقلب على الدستور لمغالطته بخطاب شعبوي شمولي بروباڨندي عن طريق بعض الإعلام ووسائل تواصل اجتماعي بعضها مشبوهة وتعمل في الخارج كما اثبتته محكمة المحاسبات …
وكل من يجعل من خصم سياسي... مهما كان... موجود في المعارضة بعد الانقلاب.... عدوا أساسيا في هذه المرحلة التاريخية الحالية من الانتقال الديمقراطي... عوضا عن الحكم الفردي المطلق بصدد التأسيس لتحييد الناس عن مواجهته... والذي سيخرب البلاد أكثر... هو حليف سياسي لا غبار عليه في هذا التخريب...
وكل من لا يفكر عمليا مع غيره... منذ الآن وليس غدا في انقاذ البلاد والعباد... ويسبق المهم على الأهم... ليهترب بالتذرع بتقييمات سياسية تتعلق بأطراف اخرى...هي في الاخير تخصه ولو انك تتفق معها او مع بعضها ... هو كمن يشارك بدون وعي...ولكن موضوعيا... في المزيد من خراب البلاد... حب او كره ذلك....فالسياسة دائما بنتائجها.. ولا بشعاراتها التي تذهب أدراج الرياح...
وكل يتحمل مسؤوليته التاريخية...ما عادش فيها وين.... ورغما عن كل هذه القتامة الوقتية....فلا بد لليل ان ينجلي..
فهي مسألة موضوعية في مراحل الانتقال الديمقراطي...مهما تقصر أو تطول...لأن الشعوب لما تذوق طعم الحرية... فلا بد للانتقال الديمقراطي ان ينتصر…
ونحكي راني.... بالرسمي.... موش حكاية تفائل..وهات من هاك التنظير متاع اللاوي…
و يسقط الإنقلاب... وسيسقط لا محالة... خاطر ما عندو بيها وين.
المواطن أنور القوصري…
ماو عندي الحق نعمل بيان؟