بعد خطاب بكل حزم التاريخي ... أصبح متأكدا وعاجلا جدا جدا... الحوار بين القوى الوسيطة في المجتمع... من أجل إنقاذ تونس وإنقاذ أنفسهم بالتبعية...وذلك بالإتفاق على خارطة طريق لإنقاذ البلاد من هذه الأزمة العويصة غير المسبوقة منذ الثورة...التي أدخلها فيها المنقلب على دستور الثورة…
فقد أكد في خطابه... وبكل تشنج انه يرفض مطلقا أي حوار مع أي كان... ووصف من ينادون به بالخونة والعملاء والمجرمين المعتدين على أمن الدولة الداخلي والخارجي.. وهو مصمم على قيادة المركبة.. في عملية انتحارية لإدخال البلاد وما عليها في الحيط.. ومن لا يريد أن يقر بهذا... فهو يغالط نفسه أملا في حل مستحيل... ويغالط الشعب التونسي...وسيسجله عليه التاريخ...
لكن الحوار حتى يكون ذي مخرجات قابلة للتنفيذ ... يتطلب التذكير ببعض المسلمات الأولية.. "الخفاف النظاف"... وهي كانت مفروغ منها في السابق ... لكن تلاعبت بها التجاذبات والمزايدات والحسابات والخزعبلات الشعبوية من هنا وهناك بعد الإنقلاب.. الخ.....فغطتها بسحب من دخان.
أولا … ان الحوار يفرض نفسه على جميع الفرقاء من القوى الوسيطة في المجتمع رغم أنفهم...لما تصبح الأزمة السياسية... أوالإجتماعية... او الإثنين معا كما هو الحال الآن...مستعصية بسبب من يدير السلطة ويتمسك بها حتى لو أغرق البلاد كل يوم يبقى فيه في السلطة في مزيد من الخراب....
وفي مثل هذه الوضعية... لا يمكن إنقاذها إلا بتكاتف القوى التي لها مصلحة في الإنقاذ... رغما عن أنفه.... ولا يكون ذلك لتقاسم السلطة بعد الحوار مباشرة ... أو بالتكمبين من أجلها... وإنما فقط للخروج من الأزمة.... وهذا في مصلحة البلاد... ومختلف الأطراف المشاركة في الحوار…
ومن بعده فقط.. "يولي ذراعك يا علاف" عن طريق انتخابات على قدم المساواة بين الجميع. .. وليس بطرح تلك الأمور بصفة ملتوية أثناء الحوار... لأن هذا تخريب للحوار قبل أن يكون..
ثانيا… المشرفون على الحوار...هم أولائك غير المترشحين للإنتخابات التي ستكون من محاور خارطة الطريق والتي تكون من مخرجات الحوار ... ومن ينوي ان يترشح "يكرم لحيتو بيدو" ... ولا يطرح نفسه منظما الحوار... بل مشاركا فيه... ومسوغاته بدعوى ان له مآخذ على من هم مؤهلون لتنظيمه...تتناسى ان لهم بدورهم مآخذ عليه.
وهو يتناسى ان المجتمع السياسي والمدني... المهيكل في القوى الوسيطة... متنوع فكريا وسياسيا...وعندما يدعي خلاف ذلك بالإيحاء ان طرحه هو الذي يجب الإنصياع له دون وجهات النظر الأخرى.. فهو يحمل بالضرورة فكرا شموليا...لا يختلف في جوهره عن فكر من اوصل البلاد لما هي عليه الآن..
ثالثا…من يطرح الحوار.. وينوي تنظيمه... ومن ينوي المشاركة فيه...عليهم جميعا إيقاف التراشق العلني بالتهم فورا. .. طبعا هم لهم مآخذ جدية على بعضهم البعض في إطار التعددية الفكرية والسياسية في المجتمع... فلسنا "دجاج ماكينة تفكر كيف كيف" …
لكن هذه "الخرمولوجيا" الإعلامية يفهم منها الرأي العام..ان من يتحدثون على حوار... ويتراشقون بالتهم في نفس الوقت...يكذبون عليه.. ولا يريدون القيام بحوار جدي بينهم لإنقاذ السفينة ...وان همهم تصفية الحسابات فيما بينهم...
هذا علاوة على أن التهم تواجه عادة بتهم مضادة... وتصبح هي الموضوع الغالب لدى من يرفضون الحوار لتلهية الرأي العام...وليس لإنجاح الحوار بين مختلف الفرقاء لإنقاذ البلاد…
والحال ان نجاح اي حوار مرتبط أساسا بمساندة أغلبية عريضة من الشعب على مخرجاته.. وهذا يتطلب ثقة في جدية المحاورين.. للإنخراط والمشاركة في مخرجاته...وإلا ستبقى شعبية مخرجات الحوار في حدود الثمانية فاصل أيضا.
رابعا.... فلنذكر ببديهيات.. بسيطة..
دور الأحزاب السياسية في الديمقراطيات...توعية المواطنين وتأطيرهم والمنافسة على الحكم عبر انتخابات دورية. ولا توجد ديمقراطية بدون أحزاب ديمقراطية تتداول على الحكم في انتخابات حرة ونزيهة وشفافة .. ولما يفوز حزب او أحزاب غير ديمقراطية او دكتاتور بالحكم... تهدد الديمقراطية... وتنتهك الحريات... وعادة تتعمق الأزمة الإجتماعية تبعا لذلك..
وفي تلك الحالة يكون دور المجتمع المدني... الذي يناضل من أجل الحقوق والحريات والذي لا يطمع في السلطة بطبيعته... له دور السلطة المضادة للسلطة المستبدة الحاكمة.. وقوة اقتراح لباقي القوى الوسيطة في المجتمع .. وخصوصا للقوى السياسية الديمقراطية.. وقد تضمن دستور 2014 تصورا مدنيا وديمقراطيا... على خلاف دستور القيسون... وتضمن ضرورة وجود مؤسسات ديمقراطية خرب القيسون ما أنجز منها... وتحول متظافرة لو أنجزت كلها دون الرجوع للإستبداد...
وهذا التلكؤ.. زاد في تعقيد الأزمة السياسية ... واصبح الخروج من هذا الوضع الذي يهدد المجتمع والقوى الوسيطة فيه.. معقدا..وإيجاد مخارج له معقدا أيضا ... وجعل كل طرف يفتي على ليلاه فيما يتعلق بالخروج من الأزمة .
خامسا…وعلى هذه الأسس... أوقفو الخزعبلات السياسوية.. والخرمولوجيا السياسية التي تعرقل الحوار... وتخربه.. ففي تونس فشلت الأطراف السياسية لحد اليوم...لا فقط على التحاور فيما بينها... من أجل خارطة طريق مشتركة...والحال ان مشروع قيس سعيد الشمولي والاستبدادي والمخرب للإقتصاد... انكشف للعموم على الاقل منذ إصداره للأمر نومرو 117 في 22 سبتمبر من سنة 2011.... يعني منذ 15 شهرا يا بوڨلب!!!
لكن عوضا عن مواجهة هذا الأمر الجلل لمخاطره الكبيرة على الوطن... بقي الكثير غارقا في التجاذبات السياسوية.. أو خائفا من تداعيات الشعبوية المقيتة على ما يمكن أن تتهمه به.. َ وفي تلك الظروف... تحاور البعض مع نفسه واقر خارطة طريق بنفسه ولنفسه...عوض الإلتزام بمفهوم الحوار البسيط.
فوجدنا مثلا ان بعض تلك الأطراف السياسية تقصي المجتمع المدني من اي دور في الحوار.. والحال انه الطرف الذي ليست له مصلحة في الحكم.. في حين انها الطرف الذي يعمل للوصول للحكم.... بمخرجات الحوار الذي تطرحه... مثل تلك التي تطرح انتخابات رئاسية وفقط... للحلول محل المنقلب على دستور الثورة.. ولا تقول على أساس اي دستور...و بأية صلاحيات ربانية... وبأي حكم فردي.. وغيره من الترهات.. يعني رئاسة الدولة بصك على بياض... عوضا عن المنقلب على الدستور... ومثله.
وكان الدولة الديمقراطية التي نبغيها ليست دولة فيها مؤسسات ديمقراطية منتخبة... وفيها الفصل بين السلطات..الخ... تربية بورقيبة يعني. ووجدنا... من يكمبن لإقصاء المجتمع المدني من الحوار . وذلك مثلا بطرح لجنة تقنية تجهز حلا في غرف مظلمة من فوق.. تلزم به الأحزاب... الذين عليهم الموافقة عليه... قطوس في شكارة يعني . وهذا رأي شكله ديمقراطي وكنهه شمولي.. لا يختلف جوهريا عن تمشي قيس سعيد الفوقي في التعامل مع المجتمع المدني والأحزاب السياسية.. بالإقصاء ولي الأذرع…
مع العلم وان مثل من يطرح هذا الموقف الشمولي في جوهره.. كان من بين من رفضوا المشاركة في الحوار الوطني في 2013... ولكنه انتفع سياسيا من مخرجاته. فقد شارك في تنفيذ خارطة الطريق الذي اتفق عليها المحاورون آنذاك.. ووافق على الدستور المنبثق عن لجنة التوافقات لدى المجلس التأسيسي التي بعثت بفضل الحوار... بدليل انه شارك في مخرجاته مثل الإنتخابات التشريعية والرئاسية ووافق على الدستور .
فبحيث....الحوار يا أكارم... سهل وبسيط...إن تخلينا عن الترهات والخزعبلات ... وتركنا جانبا لفترة من الزمن تلك التجاذبات والحسابات والتكمبينات وعقلية الإقصاء... وغيرها من المراواغات.. آما تصفية الحسابات السياسية.. فذلك سيكون من بعد... بالإنتخابات..وقتها فقط.... ب "ذراعك يا علاف" وليس بعرقلة الحوار بوضع الشروط التعجيزية ... قبل الحوار…
وبحيث... آه حقة... راني ما حكيتش في هذا.. على الثوريين برشة برشة... إلي هوما ضد الحوار وعايشين في طاست مخهم في المريخ. لكنهم في كل راس شهر يستناو ويتساءلو... صبو ولاّ ما صبوش من عند الدولة إلي يخرب فيها القيسون... ولا يهمهم انقاذها.
هاظوكم نستنى وقتاش يقضي عليها الدولة القيسون جملة وتفصيلا.. وماعادش يطرحو السؤال... ويمشيو يمدو أيديهم للطلبة باش ياكلو... ويوكلو صغارهم. هاذم معاهم حديث في مناسبات أخرى.. موش وقتو توا.. خاطر ما يعنيهمش الحوار.. وإنما حكايات اهل الكهف التي لا تغني ولا تسمن من جوع.
وبحيث.. ربي يهديهم الجماعة... لشمعناه حوار.