تجربة الشعوب مع الأنظمة الشمولية...بينت انها في ممارستها السياسية لا تقبل بتقديم التنازلات في مجال الحريات للشعب وللقوى الوسيطة في المجتمع ... لأن من سياستها العمل على القضاء عليها رويدا رويدا حتى تنتفي... واستئصال القوى الوسيطة المعارضة والمستقلة عنها بالتدرج... إن لم تتحول هذه القوى جوهريا لتصبح عبارة عن ميليشيات للنظام الشمولي ..
ذلك أن الفكر الشمولي عقيدة... واستئصال الخصوم السياسيين جزء من ممارسة تلك العقيدة..وضرورة لإرساء النظام الشمولي.. وإلا فهذا النظام لن يستقر لما يهدد وجوده على الدوام ... خصوصا لما تكون موجودة معارضة قوية له..
وفي تلك الحالة فإن ميزان القوة السياسي يحول دون استمراره ويصبح التهديد ضده خطير عليه.. في صورة تكون فيها تلك المعارضة متوحدة ضده لمنع انتصاره على الجميع..
ويحب القول ان الشيئ الإيجابي الوحيد في الشمولية.. هو أنها تعلن دائما مسبقا عن نواياها... لأنها تنشر عقيدة ولكسب جمهور لها تتمكن به من افتكاك السلطة او المحافظة عليها …
وهذا ما يتغافل عنه الكثير... فترى بعضهم يغص الطرف على خطورتها عليه وعلى المجتمع.. ظنا انهم يمكنهم الاستفادة منها... ولا يستفيقوا من سباتهم هذا وانتهازيتهم إلا بعد فوات الأوان.. ولما تسلط قمعها عليهم.
ويوجد من ضمن ذلك الجمهور... تلك الشريحة من الشعب المتعفنة أخلاقيا وقيميا... يستغلها المشروع الشمولي رغم انها تتصرف كميليشيات إجرامية في شكل عصابات مفسدين ضد الأشخاص من المعارضين...
وتذهب الشمولية حتى للسطو على أملاكهم وبأشكال مختلفة لما تكون في ازمة خانقة...خصوصا لما يوفر النظام الشمولي القوانين الجائرة التي تسمح بذلك ... هذا إن لم يضعها بنفسه ولنفسه عند الحاجة ... فيتصرف كعصابة مفسدين ضد الأملاك والأشخاص بدعوى محاربة الفساد وبدون وجه حق.. والحال ان هذا هو الفساد من الطراز الكبير.
والشموليون لما يوجهون الميليشيات ضد خصومهم للتنكيل بهم بالعنف المادي او اللفظي ..فهي تتحرك باسم شعب لم يكلفهم بذلك وهو سطو أخر على إرادته...إلى جانب سطو الشمولية على الحكم ... فتصنفهم كمناوئين وخونة...وغيرها من العبارات السياسية البذيئة...
و الشموليون يبدون بتصفية من تحددهم مصالحها خصومها المباشرين.. من ضمن القوى الوسيطة في المجتمع...فينفردون بهم الطرف تلو الآخر... خصوصا لما تكون معارضاتهم مشتتة.. هذا إن لم تكن في صراعات "وجودية" بينها.. وهم يقومون بذلك بالتوالي حسب ما يقدروه من درجة خطورة تلك المعارضات على إرساء مشروعهم..
فيشرعون بتصفية من يعتبروه بدون خطر جدي عليه في ميزان القوى السياسي.. ويتركون القوى التي من شأنها أن تمثل في ميزان القوى طرف خطير لما بعد... بعد إضعافها وقرضها رويدا رويدا بمختلف الوسائل التي هي في حوزتها من داخلها ومن خارجها …
وبعد ان تكون قد تخلصت من الباقي ولم يعد هناك من يآزرها...يخلى لها الجو عندئذ.. لتجهز على ما تبقى..
ولينجحوا في ذلك يلعب الشموليون طبعا على التناقضات الجوهرية بين القوى الوسيطة.. وهي تناقصات طبيعية وموجودة في كل مجتمع…
فيعملون على منعها من التوحد ضدها لإفشال تثبيت مشروعها... وذلك بجلب جزء منها مؤقتا قبل الإجهاز عليها هي أيضا .. . وكذلك عن طريق اعوانها ومريديها الموجودين في تلك الأحزاب والمنظمات والجمعيات... والذين يقومون فيها بدور الكتيبة الخامسة...وعادة من اجل المصلحة... فلا تغركم تنطيراتهم التبريرية.... فمعظمهم لا يؤمن بها.
وهؤلاء من غير لا يدرون أو لأن لهم مصالح آنية...يفعلون ذلك بدون ان يولوا أهمية و أن صاحب الفكر الشمولي لا ثقة له في من يحمل عقيدة اخرى ولو كانو شموليين مثله.. وحتى ولو تزايدوا بالولاء والتأييد له على أتباعه.
فطالما انهم لا يحملون نفس العقيدة.. ويروجون لها ويكسبون له الأنصار على أساسها... فإنه لا يمكنه سوى التوجس منهم كأي صاحب عقيدة من العقائد الأخرى ... فيفكر في كل لحظة انهم من الممكن ان ينقلبوا عليه في السياسة لما تحين لهم الفرصة لأنهم تحركهم فيها بدورهم عقائدهم.. ولا عقيدته.. ومن المفترض ان يشكلوا غواصات بين منظوريه.
ولذلك ترى الشموليين في أعماقهم يعتبرونهم خطرا مستقبليا على مشروعهم إن آجلا او عاجلا.. فلا يعتمدون عليهم ليأسسوا معهم المشروع... وإنما فقط على أتباعهم هم…
ويلتجؤون حتى لمن لم يعرف عنهم عقيدة أخرى عند الحاجة ...من النكرات في السياسة والمجتمع ... ليستعملوهم مجرد بيادق لتنفيذ التعليمات وتطبيق سياستهم .. ولا للتفكير معهم..
ولما يفشلون يغيروهم بآخرين على شاكلتهم...ولن يأسف عليهم أحدا لانهم ليس وراءهم جمهور.. بل يتركوهم حتى للنهش والتنكيل عند الإقتضاء ... هذا إن لم ينكل بهم من طرفهم...
وللتأكيد... فهؤلاء السياسيين والمهتمين بالشأن العام من المجتمع المدني.. المساهمين في إرساء النظام الشمولي هم العنصر الأساسي في نجاحه بدون ان يدرون...
فالقرارات السياسية لتصبح أمرا واقعا تخضع لموازين قوى... وهم ساهموا بتبريراتهم و ممارساتهم كقوة جذب ضد توحيد المعارضة للمشروع الشمولي الذي للجميع مصلحة في توحيدها من اجل خلق ميزان قوى ... لأنه يطال الجميع ولا طرف او اطراف دون سواها..
بل قل انهم يساهمون بالتخريب... لما يوجهون سهامهم ضد اية محاولة تحصل من أجل توحيد الرؤى والجهود لكل من له مصلحة في إفشال تأسيس المشروع الشمولي.. وخاصة بتأجيج التناقصات الجوهرية الطبيعية الموجودة بين القوى الوسيطة في المجتمع.... وافتعال المعارك الجانبية... هذا إن لم يكن بالتخوين ولعب دور الميليشيات الفتاكة التي تحدثنا عنها آنفا!!
واكثر من ذلك فهؤلاء وفي إطار عرض خدماتهم للشموليين الذين يختلفون معهم في العقيدة.. وحتى ينالون الرضى ...تراهم يقومون بمهمتهم على احسن ما يرومه الشموليون المستبدون... فيضعون جل قواهم للتنكيل بمن يعارضون المشروع الشمولي ... ويصل لهم الأمر حتى تبرير انتهاك حقوق وحريات خصوم الشموليين.. هذا إن لم يشجعوا على ارتكاب غيرها!!
كل ذلك عله يلتفت إليهم... للمشاركة في المشروع ويضمون لأزلامه...ولكن هيهات!!
وهكذا يلقى دائما أصحاب المشروع الشمولي من يعينهم على التقدم في فرضه... وعلى التخلص ممن من شأنهم عرقلة نجاحه..
ومن مسؤوليتهم الكبرى أيضا.. المساهمة في القضاء على القوى الوسيطة في مجتمعهم بتحجيم دورها وإضعافها من الداخل والخارج ...والحال انهم من ضمنها!!!
اما الشمولية من جهتها يا أكارم.. فهي لا تقبل بتقديم التنازلات والتراجع عن تصفية خصومها السياسيين وعن القرارات التعسفية التي فرضتها في مجال الحقوق والحريات..
فذلك خطها وهو من صميم العقيدة المعلنة التي تقودها... والتي لا تعترف بالآخر المختلف.. وبحرية التعبير... وبالتعددية السياسية.. وبالقوى الوسيطة في المجتمع... والتداول السلمي على السلطة... و الإنتخابات الحرة... والهيئات الدستورية المستقلة عنها... وتدعي ان ذلك وغيره تقسيم للدولة ... الخ...
بل إنها تعتبر ان هناك سلطة واحدة وحيدة... والكل ينفذ ما تقرره.. وفي خدمة سياستها..وإلا فالتخوين والتنكيل مصيره..
وهي لا تقدم تنازلات لأي كان... لأنها تعتبر أن قمع الخصوم السياسيين انتصارات لها... على المناوؤين والخونة والمخربين لمشروعها.. و إن تتراجع فهو تراجع عن انتصار المشروع…
وإن قبلت بتقديم بعض التنازلات من هذا النوع أحيانا.. فذلك تحت ضغط أنظمة أجنبية... خوفا من تهديد كيانها... او حفاظا على مصالح خارجية تعتقد انها في حاجة ماسة لها لديمومة الكيان الشمولي..
وقد بينت تجارب الشعوب مع الأنظمة الشمولية هذا التوع من التراجعات تحت الضغط الخارجي او لمصلحة خارجية..
وفي الحقيقة فإن عصر الأنظمة الشمولية قد ولى وانتهى عالميا بسقوط معظمها...وبعض من بقي منها او حاول إرساء مشروع من هذا القبيل أصبح كاراكوزيا في عيون شعوب العالم التواقة للحرية وحقوق المواطنة والعدالة الإجتماعية..
فقد انهزمت الأنظمة الشمولية على مختلف تلويناتها الأيديولوجية في العقود الأخيرة من طرف شعوبها... في عصر انتشرت لديها قيم حرية الإنسان و المجموعات.. وقيم المواطنة وحقوق الانسان...والقيم الديمقراطية.. والحق في حياة كريمة وبكرامة...وشاهدنا من أجل ذلك العديد من الثورات المواطنية..
ولم يبقى سوى الشموليين و الشعبويين يغردون خارج السرب... مدعين ان تلك الثورات محركة من الخارج...وهم بموقفهم المشين هذا يشتمون شعوبهم باعتبارهم عملاء لهذا الخارج !! وهذا ليس بالغريب عنهم... فإما ان يكون الشعب رعية لديهم.. او عميل !!!
لكن بقيت بعض الأنظمة الشاذة هنا وهناك.. وبعض الأطراف تستغل فترات الإنتقال الديمقراطي للرجوع بالمجتمع إلى ما وراء الوراء!! وهي محاولات فاشلة لا محالة وتجذف عبثا ضد سيرورة التاريخ.. لأن الشعوب الواعية بمواطنتها لا تريدها.. وتلفضها لا محالة... وهذا طبعا لا يعني ان تلك الأنظمة الشمولية تحولت كلها إلي انظمة ديمقراطية..
ذلك انه في الأنظمة الشمولية تتشكل دائما بيروقراطية متنفذة فاسدة تتحكم في القرارات الإقتصادية والمالية والإجتماعية بدون رقابة مستقلة... ولا تخضع إلا لرضاء الحاكم الشمولي عنها.. وتكون هي عماد الدولة لما يسقط النظام الشمولي ... يلقبها البعض... بالدولة العميقة... بل قل العقيمة.
وطبعا يكون همها الدفاع عن مصالحها... وهي عثرة ضد التغيير الديمقراطي وحقوق المواطنة.. المقترن بالشفافية ومقاومة الفساد..
تلك البيروقراطية بعد الثورات المواطنية... تعمل للدفاع عن مصالحها إثر سقوط النظام الشمولي المنهزم... بتحويله إلى نظام فاسد... ومستبد عند الإقتضاء...
فتسطو مثل المافيات المنظمة على الإقتصاد بفعل القوانين الجديدة "التحررية" التي تعمل على سنها.. وتعمل على وضع في الحكم من يؤمن لها مصالحها... وهكذا يتشكل نظاما فاسدا ومستبدا لا يخضع لعقيدة شمولية…
ويلتحق ذلك النظام بالأنظمة المشابهة الموجودة بكثرة لحد الآن في مختلف القارات..
وفي صور أخرى يتطور هذا النظام الشمولي رويدا رويدا بدون سقوطه... إلى مثل تلك الأنظمة تحت عنوان "التحرر الإقتصادي" وما شابه من شعارات... وهدف ذلك تمكين تلك البيروقراطية الفاسدة من السطو على مكاسب الشعب... بغطاء "قانوني"
وفي الواقع السياسي... فهذه الأنظمة تختلف عن الانظمة الشمولية... فهي يحركها واعز الديمومة في السلطة... والحفاظ على المصالح الإقتصادية التي سرقتها العائلات والازلام والمريدين والحواشي... بفضل نظام الفساد والاستبداد الذي ترسيه…
وبما انها لا تقودها عقيدة شمولية وإنما المصالح... فهي مضطرة بان يكون لها درجة معينة من العقلانية و الحسابات السياسية ...للحفاظ على الموقع السياسي والمصالح الإقتصادية لذويها...
ولذلك تراها تقدم تنازلات تحت الضغط بما يحفظ تلك المصالح ...ويكون لضغط وتشهير القوى الوسيطة في المجتمع التي لم تقضي عليها كلها... لأنها تعمل دائما على احتواءها... تأثير على قراراتها..
وطبعا... هي تقدم تلك التنازلات بعقلانية.. والشرط هو ان لا تهدد تلك التنازلات ديمومة نظامها ومصالح ذويه.. وقد كان نظام بن علي الفاسد والمستبد من هذا الصنف الفاسد المستبد ولا شمولي ... لكنه أخطأ في الحساب... لما سيحصل بعد خطاب 13 جانفي.
اما الشمولية فهي "مطلغة"... وهي والتنازلات خطان مستويان.....يعني رأسها مسكر... وبالعصفيرة... ويبطى شوية معاها. فبحيث... تحب نقوللكم هنا بير؟ وإلا كيفاش تشوفوها الحرية من جديد ؟ زيدو واصلو تعاركو... وقتها الواحد يبقى ينبر...ويتفرج في العجب.
هذا كان ما قالش بينو وبين روحو... جابوها لأرواحهم ولا تشد فاس على هراوة.
وبحيث... آه حقة... بلعاني عملتو النص طويل... شماتة في التبريريين من أصدقائي .. نعرفهم باش يقراووه للخر.