مهما كان القمع والتنكيل بالعابرين.. والإتفاقيات الأمنية ببن الدول...والقوانين العنصرية الفاشية الداخلية لدول الهجرة ودول المهجر ...ف"الحرقة" عبر تونس وغيرها إلى أوروبا ...ستبقى...بل وستتفاقم في العشريات المقبلة ... وهذا أصبح يقر به اليوم الخبراء في الهجرة الأوروبيين بكل وضوح...وأصبح موضوع سائد في الجدال السياسي..
فهم يتفقون ان افريقيا التي تعد الآن حوالي مليار وثلاث مائة مليون نسمة... سيتضاعف عدد سكانها إل حوالي مرتين في 2050.. والحال ان التنمية متعثرة... والفقر يتفاقم.. إضافة إلى تأثير تغير المناخ والتصحر على الانتاج الفلاحي.. والحروب الاهلية...وانضافت إليها الانقلابات العسكرية التي تنبثق عنها انظمة فاسدة ومستبدة موالية للقوى الكبرى..وتقتات من فتات تصدير الموارد الطبيعية من الشركات العابرة للقارات.. ولا تعمل على تحويلها في بلدها.. ولا تشرك الطاقات المجتمعية في تصور التنمية.....ولا تشجع مشاريع اهل البلد... الخ..
لذلك ستتفاقم "الحرقة" بالضرورة... في اتجاه الغرب.. عبر تونس وغيرها من بلدان شمال افريقيا.. وسيكون البحر المتوسط مقبرة للآلاف...وساحة حرب ضد المهاجرين من الأنظمة التي تحده.. ذلك ان الإنسان بطبعه كائن متنقل على وجه الأرض منذ بداية تاريخه لأسباب معاشية.. او للهروب من مجتمعه حفاظا على سلامته وحياته..
وليس لأن الدول أقامت حدودا بينها... وشروطا أمنية لاجتيازها.. حتى يغير الإنسان ما بطبعه... فحاجته للتنقل للأسباب المذكورة كانت ولا تزال قائمة... وهي بصدد التفاقم في عصر العولمة وتطور وسائل النقل.. ولن تنحسر الظاهرة طالما ليس هناك تنمية مستدامة في البلدان الأصلية.. وطالما يوجد قمع و استبداد وتنكيل بالآخر في الراي كما يحصل حاليا في تونس مع البني القاعدي..او بالآخر في المنشأ أو اللون او الجنس.
ولذلك اعتبر حق التنقل داخل الحدود وخارجها.. بعد نهاية الحرب العالمية الثانية كحق من الحقوق الإنسانية الطبيعية الذي تجب حمايته.. ووضعت الاتفاقيات الدولية للغرض..
ففي اوروبا مثلا... وبعد دمار الحرب العالمية الثانية.. وموت عشرات الملايين من العمال في الحرب... ألغت الدول الغربية الأوروبية الحواجز والقيود وشروط الإقامة أمام العمال المهاجرين لإعادة الإعمار والتنمية.. وما ان انتهت مهمتهم أرجعتها.. بوضع شروط كل سنة اقسى من التي سبقتها…
واليوم فإن معظم تلك البلدان وبفعل تراجع نسبة الإنجاب وتزايد نسبة المتقاعدين وتقلص نسبة العاملين.. أصبحت مرة اخرى في حاجة ولو نسبيا ليد عاملة إضافية أجنبية.... فاحتدم الصراع من جديد في تلك البلدان بين العنصريين الذين يدافعون عن البشرة البيضاء والحضارة اليهودية المسيحية الأوروبية ... وبين الليبراليين الذين يدافعون عن إنقاذ الدورة الإقتصادية والتنمية.. وحاجة راس المال لليد العاملة في المجالات التي هو بحاجة لها... مثل الفلاحة... والمهن الشاقة في المؤسسات الصغرى والمتوسطة...او في بعض المهن التي تتطلب الخبرة مثل مهن الصحة والهندسة في مختلف الإختصاصات ...وخاصة في الإقتصاد الرقمي…
فأصبحوا يدافعون عن هجرة "مختارة" منهم حسب الحاجة ...وطبق اجراءات قانونية قبلية مقيدة... مع تسوية وضعية المهاجرين "الحراقة" الذين يثبتون ان لهم عمل قار.. فهؤلاء يستغلون الآن بالملايين بصفة فضيعة في كامل أنحاء الإتحاد الأوروبي... في وضعية غير إنسانية وغير قانونية... وفي وضع اجتماعي وأمني هش..
فهم بدون أوراق إقامة قانونية وبعضهم لسنوات طويلة... ومحرومون من حق التنقل خارج حدود اوروبا... وقضاء عطلهم في بلدانهم الأصلية كغيرهم من المهاجرين...وهم خاصة تحت طائلة الإيقاف والتسفير في اية لحظة....وخسارة وضعهم الإجتماعي وحتى العائلي....الذي ضحو من أجله لسنوات..
وهذا ما سهلته الاتفاقية التي أقدمت على ابرامها أخيرا سلطة الأمر الواقع للسيادة الوهمية والغوغائية في بلادنا ... مقابل بعض الفتات من اليورووات... مع الإتحاد الأوروبي... بسعي من الفاشية ميلوني.. لمساعدة هؤلاء العنصريين على ترحيل التونسيين ولو انهم يعملون... ولو ان لهم عائلات... او انهم مستقرون منذ زمن طويل... على خلاف ما ترفضه مثلا المغرب والجزائر..
ففي تونس... انتهاك حق التنقل للمواطن التونسي ليس بالجديد....بل قديم... و العلو الشاهق للسيادة الوهمية الكاراكوزية... زاد عليه. فبمقتضى اتفاق الشراكة الذي أبرمه بن علي سنة 1995 مع الإتحاد الأوروبي.. في وضعية غير متكافئة... قبل بحربة تنقل البضائع والرساميل... والإنسان الأوروبي دون الإنسان التونسي!!! واصبح المواطن التونسي لا حق له في التنقل إلى أوروبا بدون التحصل على رخصة (التأشيرة) من البلد الأوروبي... في حين ان مواطني تلك البلدان يدخلون ويخرجون من تونس بدون رخصة... وفي فترات حتى بدون جوازات سفر بدعوى تشجيع السياحة..
ومن بين الترف الترفيهية آنذاك وبعده والتي لا يمكنني ان أنساها... ان بن علي وازلامه كانو يتهمون الحقوقيين بالعمالة للخارج ....لأنهم يشهرون في الخارج ويكتبون التقارير حول انتهاكات حقوق الإنسان الجسمية في تونس ويتعاملون مع المنظمات العالمية لحقوق الإنسان وهيئات الأمم المتحدة ذات الصلة بالموضوع وفي إطار الإتفاقيات التي أمضت عليها الدولة التونسية!!!
وهكذا انتهك حق تنقل المواطن التونسي بتواطئ من بن علي..بعد ان اغلقت الدول الأوروبية الهجرة الحرة لما لم تعد في حاجة إليها لإعادة اعمارها وتنميتها وأخضعتها لنظام التأشيرات في بعض المهن التي لا تزال تحتاج للعاملبن فيها... او للطلبة في اطار "التعاون" العلمي وهي تعلم ان معظمهم سيبقى بعد التخرج ويندمج في دورتها الإقتصادية. والقوانين المعمول بها تسمح لهم لا فقط بالحق في الإقامة وإنما أيضا في اكتساب الجنسية بشروط ميسرة... وينتفع بذلك أيضا اللاجئون السياسيون..
ومفروض على تلك الدول قبولهم... بمقتضى الاتفاقيات الدولية التي أمضت عليها ولا يمكنها التفصي من ذلك.... بما أنها دول قانون ومؤسسات.. ومراقبة قضائية وخصوصا للسلطة التنفيذية التي يوجد امامها قضاء يتمتع بقدر كبير من الإستقلالية عنها....وفي قضائهم تسمو فعلا الإتفاقيات الدولية على قوانينهم الداخلية..
وأكثر من ذلك.. فلهم محكمة حقوق إنسان أوروبية.. تنهر السلطات السياسية عندما تقترف الانتهاكات....ويحترم عادة القضاء الداخلي للدول فقهها في قراراته... ونحن في تونس.. وحتى بعد ثورة حرية وكرامة... ودستور ديمقراطي وافق عليه الجميع...عجزنا حتى عن إرساء المحكمة الدستورية المستقلة... ولي هذا يحب يترفكها لحسابه الشخصي....مما فتح اوتوروت للإنقلاب على الدستور... وبعد الإنقلاب عليه... تجاوزنا مرحلة "الترفيك" لجعلها ملك شخصي من أملاك العلو الشاهق.....مثل هيئة البوصاع ومسحان البلار.
ولكن بن علي لم ينتهك فقط حق التنقل...بل استبد بشكل فضيع ضد "الحراقة"... فبعد ان كانت "الحرقة" جنحة بسيطة تتعلق باجتياز الحدود التونسية بدون رخصة من الدولة التونسية ... وتحال على محكمة الناحية... ويحكم فيها عادة بالخطية..
أصبحت جنحة خطيرة تعاقب حتى خمسة سنوات سجنا.....وجناية لمن يتوافق مع غيره على تنظيم الرحلة او يشارك في ذلك بجمع الأموال من"الحارقين" او بتوفير المعدات ومستلزمات الرحلة..ويحال الملف وجوبا على التحقيق... وهذا لا ينطبق فقط على عصابات التسفير المنظمة... بل على الجميع …
فالشيئ المسكوت عنه... ان معظم "الحراقة" التونسيين إلي لمبدوزا او سيسيليا... ينظمون رحلاتهم بأنفسهم ولأنفسهم في قوارب صغيرة... ولا يلتجؤون للعصابات العابرة للحدود في ذلك ... فهل تراجعت "الحرقة" بعد تلك القوانين الإستبدادية؟
يبطى شوية فمن يقدم حتى على الغرق.. لا يخاف السجن ... وحتى إن سجن فهو يعيد الكرة...لتواصل انعدام الآفاق أمامه في بلده... وهذا متواصل لحد اليوم... بل تعكرت الأمور أكثر... بعد اتفاقية العلو الشاهق للسيادة الوهمية مع الإتحاد الأوروبي!!
واليوم... وامام تنامي الشعبوية والتيارات العنصرية والفاشية في مختلف بلدان اوروبا واصبح الموضوع من المواضيع الرئيسية في الانتخابات...وانتخابات البرلمان الأوروبي على الأبواب.. وامام ضغط جزء مهم من رأي عام يؤمن بأفكارهم... اصبحت الوقاحة وقاحات عند هؤلاء…
فقد أصبح بعضهم يطرح مثل ميلوني العنصرية والفاشية.... والتحق بها وزير الداخلية الفرنسي يوم امس.. الذي اجتمع مع وزير الداخلية عندها... يطرح تكليف حرس حدودهم... وربما جيشهم إلى اعتراض الحراقة امام حدودنا... وتسليمهم لحرس حدودنا... لإرجاعهم من اين انطلقوا...إلى بلادنا!!! وهذه إن حصلت....وقبلت بها سلطة الامر الواقع عندنا ... ستكون سابقة عالمية وحيدة من العلو الشاهق ....لأنها لم تحصل من قبل بهذا الشكل... المقرف والعميل ضد حق التنقل... في اي مكان من العالم... لان المواثيق الدولية المتعلقة بحق التتقل وحق اللجوء... تمنعها…
وعندئذ لن تكون فقط سيادة وهمية... بل عمالة من الطراز الرفيع. فبحيث... كتب هذا.. مواطن مطلع على التشريع التونسي والتشريع الفرنسي المتعلق بالأجانب...والإتفاقيات الدولية ذات الصلة.. ورئيس سابق لاتحاد العمال المهاجرين بباريس وضواحيها..