الرفيق هو إلي ناضلت معه...حتى لو اختلفت معه أحيانا في الموقف...وهذا أمر مطلوب...لأن في الاختلاف تبرز الأخطاء...ويمكن التقدم... وليس الرفيق فقط ذلك الذي تسكترت معه وتسكتر معك ...لتظهروا للناس أنكم نسخ مطابقة للأصل...كوبيي كلي.. ولا يهمك إن أخطأ لما يخطأ...حتى لو دفع المجموعة للهاوية…
فأي إنسان يحمل كورتاكس تراكمت فيه تجارب حياته...تختلف عن كل ما راكمته الكورتاكسات الأخرى... ولو كان متسكترا معها... ولذلك نقول...ولا يجب التظاهر به للعموم فقط...بأن الموقف لا يتبلور إلا بعد النقاش الجماعي...وأن القرارات موقف جماعي...وأن عقلية الرعية اخترعها المستبدون عبر التاريخ مهما كانت توجهاتهم... إلخ…
ولذلك نتكلم...ولا نتظاهر فقط...بضرورة التقييم...وضرورة النقد والنقد الذاتي... وضرورة تقييم التكتيكات... لتجاوز الخطأ فيها او في تنفيذها مستقبلا...إلخ.. ولذلك نقول ان السياسي هو المحدد...ولا نقول ان الإنتماء التنظيمي هو المحدد.... لأن التنظيم مجرد أداة تتغير حسب متطلبات الصراع الطبقي...إلخ...والقائمة طويلة جدا.... مما يتناساه دوما المتسكترون....
ولكن منذ بروز اليسار في تونس كقوة معارضة لنظام بورقيبة...في الستينات من القرن الماضي.... نشأ هذا اليسار وتربى على السكتارية.... في إطار حلقات ومنظمات أغلبية مناضليها من البورجوازية الصغيرة... التي تحمل العاهات التي تربت عليها...والناتجة عن الفكر والممارسات "التقليدية"... وحتى الرجعية السائدة في مجتمعنا…
وقد ابتلينا بها كلنا...ولكن منا من حاول تجاوزها...ومنا من تاقلم معها...ومنا حتى من "ينظر" لديمومتها مثل جماعة موش وقتو عندما يتعلق الأمر بالحقوق الأساسية مثلا…
ومن بينها موروث "الاخلاقويات" الرجعية لشيخ القبيلة الذي لا يجب نقده...والأنا المتورم للزعماء ومن يقلدونهم...وعقلية الرأي الواحد الذي يعمل على فرض نفسه على الرعاع من التابعين كما كان يفعل بورقيبة وبن على وغيرهم...الخ..
وهؤلاء جميعا يعادون من يختلفون معهم حتى في التقديرات والتكتيكات...وحتى في التفاهات مثل الأخلاقويات (وهذه من الأخطاء الكبرى...وستكون لي عودة لهذا الموضوع في مناسبات اخرى لأنه سرطان آخر) .... وغيرها كثير...مع الأسف الشديد...فيبعدونهم عن القبيلة... كما كان يفعل الجاهلون... في الزمن الذي لقبوه بالجاهلية...
والسكتارية مرض عضال لا يزال ينخر اليسار إلى اليوم...وهو من الأسباب الرئيسية لتشتته...وخصوصا لفشله في فرض نفسه جماهيريا حتى يكون بديلا لليمين الرجعي الحاكم بعد ثورة حرية وكرامة... وهو الحاجز الأول في طريق تحقيق أهداف ثورة الحرية والكرامة…
وهو الذي قرر تجاوزه الرفيق الشهيد شكري... بعد انتكاسة انتخابات المجلس التأسيسي.. الذي ناضل واستشهد وبوصلته كانت انجاز مهمة الحزب اليساري الديمقراطي الجماهيرى الكبير...داخليا ضد السكتارية والمتسكترين...وخارجيا لخلق ميزان قوى طبقي ضد اليمين...
شيئ يندى له الجبين...
فمثلا عندما ترى مناضلين ناضلوا معا...وكانوا يستعملون في ما بينهم صفة الرفيق...ثم تقرأ أن أحدهم أصبح ينادي الآخر بالصديق للحط من القيمة النضالية للرفيق وتاريخه النضالي...وما قدمه... للاستفراد بها لخاصة نفسة ولمن يشبهونه وكأنه يحمل معهم النقاوة الإلاهية ... لأنه لم يعد متسكترين معه…
أقول له خسئت يا رفيق...اذهب واطلع…
فهذا يدلل أنك جاهل بتاريخ اليسار العالمي... ففي كومنة باريس مثلا كان الثوريون المواجهون للرجعية معا.. يتنادون بعبارة الرفيق... رغم انتماءاتهم الفكرية والتنظيمية المختلفة...والأمثلة الأخرى في تواريخ نضالات الشعوب لا تحصى ولا تعد...مثل النقابات العمالية والمنظمات الشبابية والجبهات السياسية... الخ..
وأذكر لهذا النوع من المتسكترين... أن الصداقة لا علاقة لها بالنضال المشترك ضد المرجعية... فهي موجودة في كل مجالات الحياة... فحتى في المجنون والفساد هناك صداقات!!!
واقول له من جهة أخرى...خسئت يا رفيق...لأنك نزعت عن نفسك صفة المناضل... برؤيتك هذه.... إن جاراك المناضلون الآخرون في مفهومك للرفاقية .... فأصبحوا ينادونك كما تناديهم بالصديق.... ووضعوك في خانة الأصدقاء. والخانة تعني كل أنواع العلاقات المتنوعة...والحال أن السياسية أخلاق...او لا تكون....
وأقول لنفسي مسكين هذا الشعب المتحضر...الذي ابتلى بمثل هؤلاء..."الأصدقاء"…