فهو خطير جدا... وكلمة حق يراد بها باطل…
المعروف في البلدان الديمقراطية التي طهرت إداراتها رويدا رويدا بعد عقود من الفساد بسبب الإستبداد وغياب الشفافية لغياب التفريق بين السلطات...أن تطهير الإدارة لا يكون إلا بمحاربة الفساد فيها...ولا غير…
وهذا لا يكون إلا بتغيير القوانين والأوامر والقرارات الوزارية والمناشير...التي تعطي لأصحاب القرار في الإدارة سلطة مطلقة أو شبه مطلقة...للتصرف في حقوق الناس ومصالحهم...مما يسهل لهم عرقلتها عند الحاجة... وتسهيل الفساد بابتزاز المواطنين أصحاب الحقوق...إن لم يكن تشجيع لهم عليه…
ويكون ذلك أيضا وفي نفس الوقت...بتكثيف هيئات الرقابة المستقلة عن سلطة الوزير ورئاسة الحكومة ورئاسة الدولة...مع الرقابة القضائية الإدارية البعدية ومع التسريع في آجال النظر في الملفات لديه...إلخ…
وهناك شعوب لها تجاربا ناجحة في الموضوع...ولا بالشعارات الشعبوية الرنانة التي تغطي على الفساد...بشيطنة هذا أو ذاك...من الخصوم…
فمعلوم أنه طالما بقيت الأرضية المؤسساتية التي تنتج الفساد على حالها...فإن كل فاسد يقع التخلص منه يعوضه بالضرورة غيره...ليأخذ مكانه في الماكينة...بشرط انه يساند الحاكم المستبد ويقدم له الخدمات... أما الإدعاء بتطهير الإدارة بدون القيام بذلك...فهي كلمة حق...يراد بها دائما باطل..وهو خطر شعبوي وفاشستي جسيم...
وللتذكير...لقد تأثثت الإدارة التونسية بعد الإستقلال في نفس الفترة التي أرسي فيها نظام الحزب الواحد ...فخصصها حزب الدستور رويدا رويدا لمنظوريه البني ويويست... وكان من شعارات الحركات الديمقراطية والمعارضة آنذاك ...التفريق بين الإدارة والحزب الحاكم..
ثم بعد انقلاب بن علي على بورقيبة.. أصبح البحث الأمني السري المجرى من طرف البوليس السياسي.. شرط أساسي للإنتداب... في الوظيفة العمومية...فكان الفرز الأمني عند الإنتداب....وعدم الترقية لأصحاب الرأي المخالف...واسناد المسؤوليات التي تفرض المصلحة العامة اسنادها لأصحاب الخبرة ...للبني ويويست المواليين.. والمتعودين على الأستفيدات..
واعرف شخصيا المئات من بين هؤلاء المنتهكة حقوقهم بسبب مهنتي ومسؤولياتي...ولم يتحصلوا على حقوقهم في الترقية إلا بعد الثورة... وحتى هناك من بقي منهم في نفس المرتبة...ودون التدرج المهني رغم خبرته...طيلة حكم بن علي...ولم ينال حقه إلا بفضل الثورة…
ولقول كلمة حق...من سهل ذلك بعد الثورة…كان كاتب دولة لدى رئاسة حكومة السبسي...وكنت أتعامل معه بالملفات بوصفي نائب رئيس رابطة حقوق الإنسان...مع غيري من أعضاء الهيئة المديرة...وهو الآن في سجن المرناقية...إثر تلفيق قضية إرهاب مضحكة لأنها فارغة من كل مضمون...سوى للتخلص منه مع غيره من السياسيين السلميين المعارضين والمخطوفين...لاستئصالهم من الساحة السياسية....
واكثر من ذلك...لقد قامت سلطة بن علي بتصفية الموظفين المعارضين السياسيين...بطردهم من الإدارة... فكانت مختلف الإدارات، لما يعتقلون من الأجهزة الأمنية الملاحقة للسياسيين المعارضين لتنظم لهم المحاكمات الجائرة... توجه برقية لمقرات سكناهم تعلمهم فيها أنهم في غياب غير شرعي...وتطلب منهم الرجوع فورا لعملهم...وهي تعلم أين يتواجدون...هههه بمقرات نفس الدولة التابعة لوزارة أخرى...هههه...وأنهم يتعرضون للتعذيب الوحشي...قبل الذهاب للسجون....
وقد طرد الآلاف من الموظفين بتلك الطريقة التصفوية...ولم يسترجعوا حقوقهم إلا بفضل الثورة...بمقتضى مرسوم العفو العام... لكن من بين النكت المضحكة المبكية...انك تجد من بين التونسيين المفطومين على ثقافة التوحش ولا يؤمنون بقيم الجمهورية ودولة المواطنة التي تضمن كل الحقوق لكل الناس فيها...من عارض ولا يزال تمكين مواطنين آخرين من حقوقهم الإجتماعية الشرعية... إثر الثورة...لأنهم خصومهم السياسيين...وكأنهم وحدهم أصحاب البلاد...وهؤلاء خوارج عنهم... وكأنهم تعلموه عن بن علي.. بما أنه فعله من قبل!!... وكأن الطيور على أشكالها تقع...هههه …
لكن يا أكارم... لما يتكلم بن علي الجديد...صانع التغيير الجديد...وصاحب البني القاعدي الحالي...عن تطهير الإدارة....فالنتيجة لو أفلح في ذلك... ستكون بالضرورة قديمة متجددة...ولكن أيضا جديدة...مثل العلو الشاهق...هههه… فهي قديمة متجددة...لأن هدفها ليس تطهير الإدارة من الفساد...والدليل أنه لم يغير القوانين والتشريعات التي تشجع الفساد فيها...ومعلوم ان الإستبداد والفساد وجهان لعملة واحدة... لأن مصلحتهما مشتركة في ديمومة الإستبداد لديمومة الفساد...والعكس بالعكس...كما كان الشأن زمن بن علي…
وهي قديمة متجددة...لأنها تستهدف الخصوم السياسيين...وهذا ما ينبه له العديد اليوم...لتقتصر الإدارة على الموالين البني ويويست....لخدمة الإستبداد بدون عراقيل...بمجابهته بالقوانين التي لا تخدمه...وهو ما فعله بن علي من قبل... وهي جديدة....وهنا بيت القصيد أيضا....لأنها فرصة للتقليص من كتلة الأجور...لتنفيذ تعليمات صندوق النقد...هههه … وهذا لم يكن بن علي في حاجة له آنذاك...هههه …
وتحيا السيادة الوهمية...هههه…
وهي جديدة أيضا....لأنه يهدف بها ضرب الحق النقابي في الإدارة...وقد شرعت حكومته في هذا التوجه التصفوي برفض تنفيذ الإتفاقيات المتعلقة بالأجور والمنح لمواكبة مستوى المعيشة...والممضاة في العديد من القطاعات... وكذلك بتلفيق القضايا ضد النقابيين المصرين على الدفاع عن حقوق منظوريهم...إلخ… ولفتح الطريق للتقليص من كتلة الأجور... والتفويت في المؤسسات العمومية...وطبعا ودائما للإستجابة لتعليمات صندوق النقد...أيضا...المغطى بالشعارات الشعبوية الرنانة...المخالفة لما يأمر به حكومته...وهي لا يمكنها وضع خيط في إبرة إلا بتعليماته…
لكن هذا ما لم يتجرأ عليه بن علي في عز زمانه... فالكل يعلم أنه كانت أمامه نقابات الوظيفة العمومية...التي كانت قادرة رغم الإستبداد... على تأطير وتجنيد الموظفين للمحافظة على قدرتهم الشرائية... فمن لم ينتفع من ذلك من الموظفين؟
أفلم يكن من بينهم أيضا...من يعادون الإتحاد... اليوم...او من قبل...وربما غدا...هههه…يأكلون الغلة...ويسبون الملة...هههه…