ما أتاه الرئيس السعيد من خطاب شعبوي في سيدي بوزيد تفوه فيه بأن 14 جانفي 2011 هو ذكرى إجهاض الثورة… ما أتاه بمناسبة ذكرى انطلاق شرارة ثورة الحرية والكرامة التي توجت يوم 14 جانفي 2011… بهروب رأس السلطة…واليوم الذي تنفس فيه الشعب الحرية بعد عقود من الاستبداد واعتبار المواطنين رعية… ذلك اليوم المشهود الذي انهمرت فيه دموع الكثير من المناضلين الاشاوس ضد الاستبداد… وما يحس الجمرة كان إلى يعفس عليها.. وهو يوم انطلاق الشعب ممارسته لحرياته بدون قيود… من حرية تعبير واجتماع وتظاهر وتنظيم…لم يناضل من أجلها الرئيس السعيد…
وما تناساه مما تلاها من معارك سياسية وميدانية ضد المتفرمتين على الحكم الفردي الذين بقوا في مراكز القرار السياسي وفي جهاز الدولة ومتعودين على تدليس الإنتخابات… لم يشارك فيها أيضا…لفرض انتخابات حرة وشفافة ونزيهة… شارك المجتمع المدني بكثافة لمراقبتها…
وما تلاها من معارك ضد المصالحة المغشوشة مع بارونات وعصابات الفساد الذين استحوذوا على جزء من خيرات البلاد بفضل الاستبداد… وواصلو تخريب الاقتصاد بعد الثورة…ولم يشارك في تلك المعارك أيضا حتى بالكلام.. بل "نظر" لتكليفهم بالتنمية الجهوية التي لا يمكنهم التواجد في النسيج الاقتصادي بحصولها!!! وهي قمة الحماقات والسخافات…
وما تناساه مما حصل إثر ثورة 14 جانفي من دخول البلاد في فترة انتقال ديمقراطي لا تزال لم تبح إلى اليوم بخواتيمها…فيها كر وفر بين من يناضلون من أجل تحقيق استحقاقها… ومن يتمسكون بمنظومة الفساد والاستبداد… لم يفهمها إلى اليوم الرئيس السعيد… لأنه لم يشقى عليها فلم يقدر المكتسبات المنجزة بفضل 14 جانفي…
ما أتاه الرئيس لا يطرح فقط تساؤلات شرعية حول نيته كما عبر عنه مرارا على احترام مقتضيات الدستور الذي أقسم عليه وعليها… من عدمها…وهو الدستور الذي كرس كل هذا بعد نضالات المناضلين… الذين تمسكوا بها وفرضوها احتراما لتضحية شهداء الثورة وضحاياها… واحتراما لتضحيات أجيال متعاقبة من المناضلين من مختلف التوجهات الفكرية والسياسية من أجل الحرية… التي بصدقه واستقامته لم يدعي أنه شارك فيها…
ما أتاه يطرح تساؤلات أخرى…عميقة…تتعلق بمجالات مختلفة أخرى …
فما مدى ثقافة الرجل السياسية التاريخية…حول تاريخ الشعوب الأخرى وثوراتها التي كانت أشكالها مختلفة…ولكنها تشترك في كونها سيرورة ومخاض وصراع معقد متواصل بين الجديد والقديم حتى انهزام القديم بدون أمل في رجعة…ولم تكن اي منها ثوارات في يوم واحد…
وهل أن له ثقافة السياسية تلقينية مثلما يحصل في الحلقات السياسية الانعزالية…خارجة عن الزمان والمكان… لقنت له في شبابه في إحدى الحلقات السياسية… فبقي يعنعنها طيلة حياته…ويواصل رغم تقلده رئاسة الجمهورية… وكل ما خرج عنها لا يعمل العقل فيه…ويعد من قبيل المؤامرة عليها ويتعامل معه بعداوة… رغم أنه في موقع حساس جدا؟
وهل أن الرجل السعيد بفوزه… انخبه شعب مج طبقة سياسية قديمة متجددة بكوارثها منذ الثورة… وكذبت عليه طيلة تسعة سنوات بوعودها…فوجد فيه الرجل المستقل النظيف…اختاره ولو انه لا يحمل برنامج حكم…
هل أن هذا الرجل المستقيم النظيف…سيحترم الدستور الذي اقسم عليه… ويحترم دوره كرئيس لكل التونسيين…حامي المؤسسات المنبثقة عن استحقاقات الثورة… ومدافع عن وحدة المواطنين التونسيين ضد الجهويات المقيتة… أم أنه سيواصل عنعنة ما لقن له في صباه… من خطاب شعبوي… حتى لو أدخل البلاد في حيط؟