لا يزعج النقاش أبدا بين التيارات الاسلامية و العروبية و اليسارية الوطنية حول الحدث السوري لأنه سيذهب بنا الى جوهر النقاش الشبيه الذي اندلع في اعماق الفكر العربي الاسلامي ابان تهاوي خلافة الرجل المريض في الاستانة في سياقات حملات الاستعمار القديم على ايالات الخلافة و في سياقات سايكس بيكو …
كان السؤال : هل نقاوم الاستعمار تحت راية خلافة متهاوية كان الاستعمار الانجليزي فعلا يستهدفها و يحرض وقتها على ما يُسمى بالثورة العربية الكبرى أم نقطع معها حتى لو كان في ذلك ارتهان للتقسيم الجديد للعالم الاسلامي و تحت رايات "القطريات" الملكية الجديدة أو "علمانية العروبيين" من مفكرين مسيجيين شوام و مصريين دعوا الى حداثة التقليد الغربي ؟…في تلك السياقات بدأت تتبلور اشكاليات : الأمة ..الشعب ..الدسنور ..الجامعة الاسلامية ..او الجامعة العربية ..مشكلة الأقليات …العلمانية ..الشورى ..الحريات ..المستبد العادل …كانت الثمرة مدونة فكر الاصلاح و النهضة بتياراته المختلفة ..
كان بناء الدول القطرية و الاستقلالات الشكلية و اغتصاب فلسطين ثم الانقلابات العسكرية في الشام و العراق و مصر و اليمن و التي اعتبرت في وقتها ثورات تحرر وطني …و نشأت المقاومة الفلسطينية بتياراتها العروبية قبل أن تقع هزيمة 67 و تنفتح النخب على الفكر اليساري في الصين و الاتحاد السوفياتي ثم كان ما كان بعد حرب الخليج الأولى و الثانية و اتفاقية اوسلو و تبلور مقاومة بنسغ اسلامي في لبنان و فلسطين .
جاءت ثورة تونس و مصر ثم كان دخول الممالك الخليجية بتدبير صهيو امريكي ليقع انشقاق من نوع آخر هو الديمقراطية و الحفاظ على ما تبقى من الدولة الوطنية و العلاقة بين المذهب السني و العروبة و المذهب الشيعي و العروبة و مسالة الاقليات لتظهر من جديد نفس الاشكاليات : الوطنية و الديمقراطية و العلمانية و الاسلامية …الحرية و التحرر الوطني …المواطنة و الجماعة ..المقاومة و الثورة .
يمكن للأزمة ان تكون فرصة لبناء مدونة الفكر العربي الاسلامي في سياقات القرن الواحد و العشرين لبحث مشروعنا النهضوي التحرري الديمقراطي الوطني الجديد و تقرير الامر في علاقات الشعوب و القوميات و المذاهب و الأعراق على امتداد هذا العالم الاسلامي من طنجة الى جاكرتا .
أسئلة كبرى أمام تيارات الفكر العربي الثلاثة لا يمكن لهم الاجابة عليها إلا بالاعتراف أن ابوابا فُتحت في اواخر القرن 19 و النصف الاول من القرن العشرين مازالت تمد رأسها لنعالجها بعيدا على غرائز "العامة" . ..بدأت المحاولة مع منتدى الحوار القومي الاسلامي في بيروت اواخر التسعينات و بداية الالفين في رحاب مركز دراسات الوحدة و لكن الاحداث غمرتها …نحتاج نُخبا في حجم التحديات ….الدماء تصنع الأفكار لأن التاريخ لا يتقدم إلا من جوانبه الأكثر ايغالا في الرعب …فقط أبعدوا الرعاع.