لم يخطئ بعض الاصدقاء كثيرا حين يعلقون على حوادث ايقاف الفاسدين من طرف المنظومة الهجينة القائمة بأنها ليست حربا على الفاسدين بل حرب بين الفاسدين .
لم يعش التونسيون وضوحا أوليا في المواقع و فرزا بين القوى الا في الايام القصيرة الاولى التي عاشوها بعد فرار المخلوع الراحل عشية 14 جانفي 2011 حين كان " الجميع " قابلا بوضوح الفرز بين الثورة / الانتفاضة و منظومة الفساد و الاستبداد و رغم محاولة الارباك التي حاولتها المنظومة المتصدعة في الاشهر الموالية لحدث 14/17 فقد ذهب الناخبون في اكتوبر 2011 ليصوتوا على قاعدة هذا الفرز و في مشاركة لافتة تم انتخاب " القطيعة الناجزة " مع منظومة الفساد و الاستبداد .
في السنة الاولى من الثورة و بانتخاب المجلس التأسيسي كان الخصم المستهدف من الشعب اي الفساد و الاستبداد متجمعا في مكان واحد و واضح و قد كان المطلوب من " الترويكا " و " المؤسسين " استهدافه و تفكيكه و مواجهته في معاقله و لكن اخطاء و مؤامرات و تعقيدات منعت انطلاق المحاسبة و العدالة الانتقالية و الاصلاح الجذري لتعيش البلاد منذ اواخر 2012 الى حدود اللحظة وضع الاختلاط و تداخل الجبهات و الاوراق ليصبح الاستبداد و الفساد بصيغه المختلفة و اجنحته المتعددة و مدارسه المتنوعة موزعا على المشهد السياسي فاعلا فيه و محددا له مما يجعل من الصعوبة بمكان تمييزه او تحديده و ضبط مكانه فقد تحول الى شبيه بالزئبق او الدم الموزع على اغلب الشرايين .
مثلما اصبح الاستبداد و اعوانه السابقون من اعلاميين و مثقفين و سياسيين و شركائه الوظيفيين موزعين على شقوق ما سيعرف على امتداد سنوات الاستقطاب منذ 2012 تحت مسمى " العائلة الديمقراطية الوسطية الحداثية المازمبية النمطية " في مواجهة " الرجعية " التي تعني ببساطة كل من يناصر القطع مع منظومة الاستبداد ....سوف يتوزع الفساد على كل المشهد السياسي يدعمه و يموله و يخلقه و يصنع شقوقه و يفككه و يركبه بل سيتحول الفساد طرفا سياسيا يفاوض على مستقبل البلاد و ينجز التسويات و يرعاها و ستكون له صراعات فيما بينه و توجهات و رؤى .
سيكون من العسير اقناعنا بوجود كثير من الاطراف السياسية او ما يكفي من نشطاء نسلم بدون نقاش انهم في جبهة مقابلة للفساد تماما و لم يخترقها فرع من فروعه ...يحتاج الامر في تقديري عندها ان نفسخ و نبدأ الحكاية من اولها ذات شتاء في 2011 او اننا سنضطر الى اعلان " صيغة " للتوافق مع الفساد كما حصل في " التوافق السياسي " الذي تمكن فيه " الاستبداد " من التحول الى طرف في بناء " المستقبل الديمقراطي " للبلاد …