المعركة ضد الفساد: ملاحظات للفهم

Photo

يجب أن يكون واضحا في أذهان الصادقين أن معركة الفساد المزعومة تتحول في سياق الانتقال التونسي المتحكم في سقوفه إلى مجرد ورقة وهمية في التنافس على مراكز النفوذ في الحكم بين القوى الوظيفية المتصارعة كغيرها من المعارك المصطنعة الأخرى على الصعيد الثقافي أو الأيديولوجي و أن هذه المعركة المقدسة في بناء الدولة الوطنية و الديمقراطية لا يمكن أن يخوضها فاعلون وطنيون حقيقيون إلا عبر الوعي بالحقائق التالية :

اولا : ان منظومة الفاسدين القدامى و الجدد هم أطراف في منظومة ،، نظام عالمي فاسد ،، يستهدف الشعوب و مقدرانها عبر أذرعه و لوبياته المحلية التي يوفر لها كل الضمانات الحامية لهم عبر قوانين محلية و دولية مطاطة قابلة للتأويل و التطويع بما يعوم كل ملف كبير يتم كشفه اما عبر تحويله إلى فرع صغير يتم فيه التضحية بأذرع صغيرة تكون مهمتها لبس الملفات الجزئية و تحمل الضريبة على الحيتان الكبيرة الدولية أو المحلية أو عبر تعويم هذه الملفات بالتاويلات القانونية و تشغيل مراكز النفوذ في أعماق الدول المولى عليها نفسها .

يجب أن نعي جيدا أن ما يسمى بالقوانين بما فيها القانون الدولي هو أداة في يد ،، الحكومة العالمية،، التي تورط من تشاء و تبرئ من أرادت و هي فعلت و تفعل ذلك باستمرار حتى في قضايا جرائم الحرب و الاغتيالات السياسية فما بالك بقضايا الفساد المعولم (تابعوا فضائح لاهاي و محكمة الشهيد الحريري و ما ستعلنه بعد أيام) .

ثانيا : ان الانتقال التونسي الذي تم ،، تدويله،، سريعا منذ فجر هروب المخلوع قد قام بالأساس و بشكل متدرج على صناعة ،، مجتمع سياسي ،، و ،، مجتمع مدني ،، بمواصفات محددة تم فيها ،، تعميم الفساد و فرض الشراكة ،، فيه بين أغلب الفاعلين السياسيين و المدنيين و أصحاب القرار في الدولة و أجهزة عنفها الشرعي المادي و الرمزي و أدوات صنع الخبر و الرأي في البلاد من مؤسسات إعلامية كبرى ما يجعل الجميع من ساسة و نشطاء و مراكز نفوذ و اعلام يخوضون معركة الفساد نفسها ضمن الخطوط الحمراء التي تجعل منها معركة شكلانية محدودة لا يستطيع أدعياء خوضها الذهاب بها إلى منتهياتها الوطنية بما هي معركة تحرير وطني للثروة و الدولة و القرار الاقتصادي و الاجتماعي .

ان متابعة جيدة لقصص التورط و انعدام الشفافية داخل أغلب الأحزاب و الجمعيات و المنظمات و الإعلاميين و هي قصص متداولة في الغرف و المقاهي السياسية دون أن تصل إلى عموم الناس و القواعد تؤكد أن،، طبقة النشطاء في الشأن العام ،، في اغلبها اوهن من خوض معركة الفساد في افقها الوطني الأقصى و أن كل من تحدثه نفسه من الصادقين بكسر ،، الخطوط الحمراء ،، سيظل مجرد صارخ في واد لان أدوات الفعل و التأثير من مشهد سياسي و جمعياتي و إعلامي مسيج و معد كمسرح لمعارك بين ،، خصوم ،، وظيفيين يعرفون جيدا حدود و سقوف معاركهم و الأسلحة التي يجوز استعمالها في مواجهة بعضهم .

ثالثا : ان مقولات الحوكمة الرشيدة و الشفافية و مقاومة الفساد بمضامينها المعلومة كما تقدمها ،، المنظمات الدولية،، و مراكز ،، التنمية الديمقراطية ،، و التي تمول حتى التكوين فيها و صناعة قادتها هي المقولات التي تحدد الحكومة المالية العالمية مضامينها و سقوفها حتى لا تذهب الى سقوف تحرر وطني منها و إسقاط السيستم برمته و هي بذلك تكون بمثابة ،، قوانين الحرب ،، التي يضعها القانون الدولي أو قوانين الوصاية التي تشرع ،، الشر،، لتصبح ممارسته ،، قانونية،، .

هذه الملاحظات الثلاثة تضعنا في جوهر النقد الجذري لمشهد مصطنع حتى لا نكون ضحية اوهام بإمكانية التغيير بآليات مشهد يتحول الاصطفاف فيه اصلا مهما كانت الجبهة التي نقف فيها مجرد وعي مزيف .

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات