نص شبه تونسي
نندهش أحيانا بعقولنا البريئة كلما راجت حكايات الاختراقات للساحة السياسية و شراء الأحزاب و القيادات المدسوسة و لكن تحاليلنا في أحيان كثيرة تستهين بهذه المسألة و عادة ما نتهم من يركز على هذه الجوانب بالجنون أو بالوقوع ضحية لنظرية المؤامرة رغم أن العديد من انكساراتنا السياسية و العسكرية العربية كانت باستمرار نتيجة لاختراقات و فشل في التحصين المخابراتي منذ الثورة العربية الكبرى أوائل القرن العشرين .
ليس صحيحا أن العرب لم يعرفوا انتصارات مشرفة على العدو الصهيوني إلا مع ظهور المقاومة الاسلامية المعاصرة في فلسطين و لبنان .اذ أنه للإنصاف لابد من الاشارة الى الجهود الرائدة للزعيم خالد الذكر جمال عبد الناصر بعد هزيمة 67 و ما راكمه من انتصارات لافتة في حرب الاستنزاف و ما أعده للجيش المصري و الجيش السوري ليتحقق نصف الانتصار في أكتوبر 1973 قبل الغدر الساداتي بهذا النصر برفضه كسر ثغرة الديفرسوار و هرولته الى مفاوضات فك الاشتباك رغم قدرة الجيش وقتها على تدارك الثغرة.
كما تجدر الاشارة الى دور عبدالناصر في فرض المقاومة الفلسطينية في لبنان و تحصينها لتحقق انتصارات لافتة أواخر الستينات الى أواسط السبعينات .و لكن الثغرة كانت تأتي باستمرار من الاختراقات و جهود الجوسسة الصهيونية و الامريكية التي نجحت في اختراق النظم و الجيوش و القيادات لتكون الهزائم و الانكسارات سريعا في حرب لبنان في الثمانينات و في العراق و غيرها .
لعل ما استفادت منه المقاومة الاسلامية المعاصرة و حليفتها الرئيسية ايران هو القدرة على التحصين الاخلاقي و المخابراتي و السرية المطلقة في الاشتغال بالاضافة طبعا الى المهارة السياسية في الاستفادة من الغفلة الاستراتيجية في التطوير العلمي و التقني فضلا عن الاستثمار الجيد في "الرؤية الدينية و شرعية التكليف و التوكل" لضمان الحصانة الأمنية للجهد المقاوم .
هذه الحصانة المخابراتية ذات العمق الديني الصارم هي التي مكنت ثورة الايرانيين نفسها من تجنب كل الفخاخ و الاجهاض الذي تعرضت اليه "ثورات سابقة" بما فيها ثورة يوليو الناصرية نفسها و عديد التجارب الوطنية في الخمسينات .
لاشك أن هذه الحصانة كانت في أحيان كثيرة مقترنة بأجواء مرعبة من الدم و الشدة التي قد لا يرتاح لها "مزاجنا الديمقراطي الحداثي" لكنها على العموم تمت بقدر من "القبول الشعبي" الذي سمح اليوم بتشكل "قوة شمولية" لا تبدو محمية فقط بسلاح "دولة" بل بإرادة حشود مقاومة تنتصر بشكل دائم .
في انتظار حلقة أخرى من قصص الجوسسة في تونس ندعو "القوى الديمقراطية" الى الاحتكام للصندوق من اجل مشاركة "الجميع" حتى نثبت نجاح "نموذجنا التونسي" في عالم "الاشرار المستبدين" .