لاشك أن "حكومة النداء_النهضة" الثانية تلفظ أنفاسها الاخيرة و بسقوطها تكون تونس قد جربت في السنوات الستة التي تلت الثورة كل العائلات الحزبية القديمة و الجديدة و اليمينية و اليسارية كما تكون تونس قد جربت حكم الادارة العميقة الدائم من وراء الستار و عاشت تحت نفوذ اللوبيات المالية و الامنية و حظيت بتدخل كل الدول الأوروبية و الخليجية و حماية الأمريكان دون أن تتمكن كل هذه القوى الحزبية و الدول و اللوبيات من تسيير بلاد تسير نحو الهاوية وهي تظن أنها تراوح مكانها في سياق صراع تيارات و مراكز نفوذ تمنع بعضها عن الحكم دون أن يكون لأي منها برنامج واضح غير التسابق على اظهار الطاعة لخبراء الحكومة المالية العالمية .
لن يكون لانتخابات سابقة لأوانها معنى باعتبار أن الامر لن يكون أكثر من تدوير للنخب و الاحزاب بحسب قدرتها لا على عرض البرامج بل على اغراء لوبيات المال و الاعلام لضمان فوزها في الصندوق و الصعود الى مناصب سطح الحكم في دولة تائهة يصرف أعمالها الحقيقية مسؤولو العالم الدوليون و يقضمون سيادتها بطبقة سياسية متصارعة تعرض مفاتنها عليهم فيعقدون معها زيجات مسيار و متعة متنوعة حسب تقدير هؤلاء المسؤولين للموقف المرحلي .
هذا الوضع يعمق وضع احتقان شعبي صادق و عفوي بلا رؤية و لا رؤوس مدبرة مما يجعله مهددا بالاختراق و التجيير و التوظيف من طرف نفس المسؤولين الدوليين القادرين على الاستثمار في كل أشكال الحراك الحقيقي أو المصطنع بما ينذر بتحويل الانتفاض الشعبي نفسه في غفلة من صدقه الى حاضنة ممكنة لاستنبات نخب جديدة لا تقل ارتهانا و عمى استراتيجيا عن الطبقة السياسية الراهنة بحكمها و معارضاتها .
الاحساس بالمسؤولية الوطنية تجاه وطن لا يحتمل الاستمرار في التبعية و الانهيار يقتضي أن تكف كل الأحزاب و الطبقة الحالية و المنظمات و التيارات الكبرى عن نزواتها في حكم بلاد قد تتحول الى رماد غير قابل للحكم و ان تكف هذه الاحزاب عن الحكم و المعارضة و تتفق على حكومة "بقاء وطني" بعناوين مرحلية متواضعة تنقذ الاقتصاد و المدرسة و الأمن الوطني و تضمن الحد الادنى من الاستقلال الوطني دون قرارات استراتيجية كبرى تميل الى هذا التيار أو ذاك .
المطلوب الابقاء على وطن يمكن التنافس على حكمه و أكله وطنيا بأفواه وطنية عوض الاضطرار الى امضاء معاهدة باردو ثانية من طرف من يجد نفسه في الحكم بفضل توازن الضعف (أصلا الحكم الحالي يفعل ذلك بالتدريج.)
كيف ذلك و من يشكل حكومة "البقاء الوطني" ؟ لا ادري ...الأكيد ليس بهؤلاء بيمينهم و يسارهم و قديمهم و جديدهم و "ثورييهم" و "موش ثورييهم" . المهم يجب الذي يجب .
وا يمينااه واايسارااه واااوسطاه
القيمة الرمزية للثورة التونسية كانت تستطيع ان تحمي من اراد من الاحزاب ان يكون قراره مستقلا حصانة من ابتزاز القوى المتدخلة في خياراتنا الوطنية من الخارج و الداخل لكن الطبقة السياسية التونسية في اغلبها طايحة قبل الضربة و عندها تقدير سحري لقوة المتدخلين و احتقار فطري لإرادة الشعب و قدرته على التحمل و الصمود و اسناد الصادقين من السياسيين الوطنيين.
ما يسميه متحذلقو السياسة بالاكراهات و التوازنات هو نقص في المعلومات و قراءة التحولات الاستراتيجية في المنطقة .لا أريد أن أحلل مواقفهم بالارتهان و الخيانة و الفساد و الاستعداد الفطري للتحول الى وكلاء لأن مثل هذا التحليل ينشر الاحباط و يحول قائله الى محتكر كاذب للوطنية.
بإمكان الطبقة السياسية أن تنقذ المعبد الوطني حتى لا يسقط على رؤوسهم جميعا بكل تلويناتهم و أوليائهم .نحن شعب يستحق أن يحرث أرضه باستقلال و كرامة عجزت بصراحة دولة الاستقلال على تحقيقهما و قصرت الطبقة السياسية بمختلف تشكيلاتها على استغلال الثورة لانجازهما.
براس الحنينة كونوا رجال و قودونا نحو تونس الحرة السيدة لكل شعبها و نحن جنود لكم .والله لو خضتم بنا البحر لخضناه معكم .غضبة لله و الوطن يا قادة كما قال هاضاكا هههه