كل العوامل المتناثرة و المذكورة من المنصات السياسية العربية المتجادلة لتفسير ظاهرة الارهاب التكفيري الأسود صحيحة .تناثرها و تأخر صياغتها في مُركب تفسيري متكامل هو جزء من تأبيد الظاهرة و تحويل كل الناطقين بهذه العوامل مشتتة الى قوى وظيفية في الصراع و الاحتراب المطلوب من صناعة هذا الارهاب الأسود .صياغة المُركب التفسيري الذي يجمع هذه العوامل و يؤلفها و يصنع الحل المقابل لها هو بالضبط ما يسمح بصياغة المشروع الوطني العربي الديمقراطي المُحرر للأوطان و الأمة .
القول ان الارهاب التكفيري نشأ بترتيب مؤامراتي صهيوأمريكي خليجي رجعي صحيح فالمعطيات تتكشف باطراد حول دور المخابرات الاستعمارية و العميلة و دور المال العربي الداعم لمجاميع الموت لتعميق الصراع المذهبي و الطائفي و العرقي و اعادة ترتيب المنطقة صهيونيا في مواجهة المقاومة .
و القول ان الاسلام السياسي الاخواني و حتى الديمقراطي التركي تورط وظيفيا في تبرير الاجتياح الارهابي لسوريا و العراق و اليمن بمبررات "ثورية" أو "مذهبية" أو حتى "عروبية" في مواجهة "الاستبداد" تارة و "الاحتلال الفارسي" طورا هو قول صحيح أيضا و مازال كثيرون يرددون هذه السردية "بأناقة" ديمقراطية و أسف خفي على هزيمة "ثوار القتل الأعمى" في العراق و سوريا تحت ضربات "حزب الله الذي يصبح لاتا و عزى" و ضربات "روسيا الغازية " و "ايران المستعمرة" رغم انعطافة اردوغان التركي و اعترافات قطر "الثورية".
و القول ان الارهاب استفاد من توظيفات و تواطؤ بقايا المنظومات القديمة المنهارة و شظاياها المخابراتية لتعميق الفوضى و تكريه الناس في ثورتي 17 ديسمبر التونسية و 25 يناير المصرية المغدورتين من حماقات الناطقين باسمها و خبث الخائفين منها هو قول صحيح كذلك تؤكده المعلومات المتناثرة من أفواه رموز القديمة كلما تصارعوا في تونس أو في مصر بعد أن استعادوا المبادرة على حساب "اسلاميي الربيع العربي" و اختلفوا بينهم في تقاسم الغنيمة المستعادة .
أما القول بأن الارهاب استفاد بشكل كبير من أوضاع التهميش و التجهيل الثقافي و التربوي و القهر الهوياتي و القومي و الانسحاق الاجتماعي و الاقتصادي كحصيلة لمنجزات الدولة العربية ما بعد الكولونيالية بماهي دولة طبقية و عميلة و تابعة و قامعة فهذا أيضا تحليل معقول و مقبول لابد من أخذه بالاعتبار.
و مع هذه العوامل كلها بل في أساس قاعدتها يبدو الاقرار صحيحا بالدور الخطير في دعم الارهاب و انتاج القتلة لهذا الارث الديني الذي انتجته مؤسسة فقهية تكتظ كل مدارسها و مذاهبها بلا استثناء بالأحكام الدموية السوداء التي أخفت النص المؤسس للإسلام القرآني المحمدي و غطت سماحته و مقاصده التقدمية منذ قرون طويلة بمجرد وفاة صاحب الرسالة و عجزت عن حمايته كتابات المجددين و التنويريين الذين كان مصيرهم باستمرار التكفير و التخوين بدعم واضح من أهل المؤامرة المذكورة أعلاه و من عوام و تيارات ثقافة عربية عجزت عن انجاز حداثتها و ظلت مهيئة باستمرار لقيم الاقصاء و القتل المادي و المعنوي .
كل من يذكر بضرورة بناء الفكر المُركب الذي يجمع و يؤلف هذه العوامل كلها سيحاربه جميع الناطقين بهذه العوامل متناثرة ليكون مثل صالح في ثمود يلعنه الجميع . لكننا مع ذلك سنذكر باستمرار بأن الشعوب العظيمة لن تصنعها إلا أفكار عظيمة لا نراها في أي من المنصات المثرثرة حاليا هنا و هناك .