رمزية حدث في ذاكرة طفل....
لم أتجاوز في جانفي 1978 من العمر 15 سنة و مع ذلك لا أدري ماهي السياقات التي جعلتني أمام مقر الاتحاد أستمع الى خطاب عبد الرزاق غربال الكاتب العام للاتحاد الجهوي بصفاقس (سوف يُحكم ب10 سنوات اشغال شاقة وهي أثقل الأحكام التي نالها المكتب التنفيذي و الكتاب العامين للاتحادات الجهوية وقتها.)
ليست هواية السياسة في مثل ذلك السن المبكر أمرا غريبا في زماننا حيث كانت المعاهد و المدارس الاعدادية تشهد نسبة "تسيس" مبكرة حيث يسهل "انحراف" الاطفال و الشباب نحو "الايديولوجيا".
كل ما أذكره أني يومها سمعتُ للمرة الأولى اسم "أبو ذر الغفاري " على لسان الكاتب العام و أظنه قد نسب اليه قولة "عجبت لمن يدخل بيته و لا يجد طعامه كيف لا يخرج شاهرا سيفه على الناس" ..و قد عرفتُ بعد تقدمي في السن أن الرجل كان معلما ما يدل أن تكوينه كان يسمح له باعتماد تلك الاحالة في خطابه .
عدتُ بعد أسابيع الى المكتبة العمومية لأتعرف على "أبي ذر الغفاري" و منه بدأتُ مطالعات تحيل على بعضها ..حول التراث الثوري في فكرنا العربي و الاسلامي ...القرامطة ..الزنج ...و من وقتها بدأ احساس غامض في عقلي الصغير بوجود اسلام للفقراء و آخر للأثرياء ..اسلام تقدمي و آخر رجعي ..
و بتقدم نسبي في العمر لا يتجاوز أول الثمانينات كنا نقرأ الكتب المبسطة الى حد ما للكاتب العروبي و باحث الاسلاميات الدكتور محمد عمارة ..الاسلام و الثورة ..مسلمون ثوار ..و تعرفنا للاشتراكي الاسلامي جلال كشك و خصوصا كتيبه الصغير "أحوال المصطفى" الذي يصور فيه النبي حاكما زاهدا و فقيرا محبا للفقراء ..ثم كانت القراءات تتعمق أكثر فأكثر حول العدالة الاجتماعية و الانتصار للمستضعفين في ديننا الكوني قبل أن نكتشف بشكل أعمق الكتابات الماركسية و تنظيراتها لكن العلاقة معها لم تكن انبهارا بجديد فقد كان لدي احساس دائم أنها "موجودة" في تراثنا ..
لعله لقاح "ابي ذر" امام دار اتحاد حشاد و وريث محمد علي و الطاهر الحداد ليكون ثلاثتهم أول نقابيين مسلمين و "اشتراكيين" دون احساس بالتناقض بين الصفتين …