حتى يكف الصادقون عن استهداف المربين أما المكلفون بمهام فلا حديث معهم

Photo

ليس هناك مرارة أكبر من احساس المربي وهو يُحشر في زاوية المواجهة في الوقت الذي يكون فيه على أبواب حصاده لصابة جهده و هو يراقب أداء تلاميذه و ينتظر نتائجهم في الامتحانات الوطنية و الجزئية و كأنه زارع بذرة يختبر نجاحه و يمتحن خبرته في رعايتها. لا يعيش هذا الشعور إلا من أفنى عمره في مهنة عُرفت على مر التاريخ بنبلها و ارتفاع ضريبة الاشتغال فيها على من اختارها و قد تحدثت كتب المفكرين و الأدباء على طرائف "المعلمين" و "معاناتهم".

يجب أن يعلم الجميع أن المربين يواجهون اليوم مكان الجميع تبعات معركة قررتها سلطة تريد استرجاع هيبتها المزعومة التي لم تتذكرها إلا مع صانعي العقول في بلد لا يملك إلا رأسماله البشري. هيبة تمرغت باطراد مع قوى و مراكز نفوذ و بلطجة و فاسدين تريد فجأة استعادة قيمتها بسياسة عناد مع المربين و مع مطالب عادلة أكثرها تتعلق بإنقاذ مدرسة عمومية و بداية اصلاح تربوي جدي يقطع مع عبث سلطة متوحدة بلا حول و لا قوة أمام من يفرض عليها أوامره في الغرف المغلقة.

لم يكن المطلوب أكثر من قبول التفاوض مع هياكل القطاع دون شرط التخلي عن حجب الأعداد و تقديرنا ان هياكل الثانوي كانت سترفع الحجب بمجرد انعقاد طاولة التفاوض و لكن "عناتر" سلطة تصفي حساباتها البينية كانوا يريدون تحقيق انتصارات وهمية من أجل هيبة مزعومة يريدون رتقها بإهانة الاساتذة لا مع من هتك هذه الهيبة من أجهزة السلطة نفسها و ادارتها العميقة و ممولي أحزابها من الفاسدين كل صباح و يوم الأحد.

يتم الاستثمار في ملل الناس من أجواء الاضطراب الاجتماعي تحت حكم طبقة سياسية فاشلة و موتورة منذ سبع سنوات فيتم تنفيس كل الغضب و الشيطنة على المربين عبر حملة اعلامية ممنهجة تلعب على عواطف الناس و مكانة التعليم في العائلة التونسية .و يتم رفد هذه الحملة و اسنادها بماكينات أحزاب السلطة على مواقع التواصل الاجتماعي و عبر جمعيات "مدنية" مشبوهة تشكلت في سنوات الاختراق الرهيب لمجتمعنا.

من حق من ينقد بصدق الوضعية الراهنة في التعليم الثانوي أن يناقش المربين لكن من واجبه ان كان صادقا أن يطلع بدقة على مسار الازمة و ان يحدد المسؤوليات و يصوب نيران نقده في الجهة الصحيحة لا المغلوطة .

على كثير ممن يدعون الانتماء الى احزاب أو تيارات تزعم الانتصار للثورة أن يتفطنوا لمصلحة من تصب "عنترياتهم" الحالية في نقد الاتحاد و النقابات .

لا أحد ينكر ان المنظمة العمالية قد وقعت كغيرها من الفاعلين في الأخطاء و التجاذبات وقد نقدنا و ناقشنا سابقا هذه الأخطاء و لكن ليس من عاقل ينكر أن الهجمة الراهنة على العمل النقابي و المربين ليست اكثر من رغبة طغمة حاكمة تريد أن تنظف طريقها من كل المنغصات حتى يخلو لها وجه "أبيها" و تنفذ كل تعليماته لتجهز على آخر ما تبقى من تونس الاجتماعية …

هذا منهج الصادقين على راي درويش:لا ندعو لأندلس ان حوصرت حلب.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات