هل استفادت تونس من كتاباتنا في السبع العجاف؟

Photo

يداخلني إحساس مُر بالندم على الوقت الذي ضيعتُه كتابة و نشاطا في الشأن التونسي بعد 14 جانفي . يلازمني الفخر كلما تأملتُ ما كتبته منذ عقود حتى اللحظة الراهنة في شؤون الأمة و المقاومة و الصراع مع العدو الصهيوني من مقالات التحليل و التفكيك و التوعية بالمؤامرات على وطننا الكبير و نصوص الدعم لشرفاء الأمة و شريفاتها في خطوط المواجهة .

نفس الإحساس بالشرف كلما استحضرتُ كتاباتي في الشأن التونسي قبل الثورة من مقالات صحيفة الرأي في الثمانينات حتى مقالات الموقف و ما بينهما من مواقع و صحف لما كان الفرز واضحا بين جبهة النضال و الكتابة من اجل تونس الحرية و الديمقراطية ومنصة الولاء للسلطة الصماء الحمقاء التي انتهت إلى انفجار بمجرد هروب رأسها.

لكن ما الذي يثير حنقي على ضياع الوقت الذي أفنيته بعد 14 جانفي في الكتابة عن الشأن التونسي ؟هل هو مراجعة للأفكار و مضامين ما كتبتُ؟

أبدا ..فلو استقبلتُ من أمري ما استدبرتُ لكتبتُ نفس المضامين في نفس الوضعيات و الأحداث. مضامين أشعر بغرور أنها صحت و دقت تحليلا و توصيفا و استشرافا بشهادة كل من أراد أن ينصف و يقرأ جيدا ما خططناه .

ما يزعجني أن السياقات التي تنزلت فيها تلك الكتابات قد جعلتها تبدو في الصخب و الاستقطاب الواهم انحيازا لأطراف لم أقرر حقا أن تبدو مفيدة و منحازة لهم و جلبت لي عداوات و سوء فهم أطراف لم أكن أصلا مشغولا بمعاداتهم أو الفوز بسوء فهمهم.

اكتشفتُ بعد مدة أن كلا الطرفين المتقابلين لم يكونوا أصلا تمثيلا جيدا لرؤيتي للثورة و لا لتصنيفي النظري للقوى .قلتُ مرة لأحد الأصدقاء ممن كتبوا مثلي :ألا ترى حجم غبائنا حين جعلت كتاباتُنا و أنشطتُنا التي لم نحسن تمييزها فلانا أو علانا من الوزراء أو القيادات الحزبية الترويكية الحاكمة وقتها ممثلين للثورة و شرعيتها في مقابل فلان و علان الآخرين ممن جعلناهما بكتابة لم تُقرأ و أنشطة لم تُحسن الانتماء في صف المضادة أو الانقلابية أو القديمة موضوعيا ؟

حنقي على ضياع الوقت أني لم أفهم سريعا أن كثيرا ممن مثلوا حكم الترويكا وقتها من وزراء و قياديين و مسؤولين و كثير من متنفذي الأحزاب الثلاثة لم يكونوا يوما معنيين بقراءة ما نكتب للاستنارة أو الاستنصاح و إذا قرأ بعضهم و كثير منهم من الوافدين على البلاد جغرافيا أو على "الثورية" سياسيا فإنهم لا يلقون بالا و لعل حرصهم الأساسي أن لا يصل ما نكتب لمن يتصورون أن لو قرأ لفقدوا لديه حضوة فازوا بها بقدرة الاستيقاظ باكرا و الوقوف على أبواب لا نحب الوقوف عليها و قدرة معرفة الأين الذي يؤكل منه كتف لا يسيل لعابنا .

حنقي أيضا على ضياع وقت في كتابة ما لم يكن يحسن قراءته من جعلنا من خصومه وقتها من بعض يسار وبعض وسط و بعض عروبيين و لو قرأ لاستفاد من سبل نفع البلاد دون أن يكون أداة وظيفية و لو قرأ لأسرع بالاشتراك معنا في ما ينفع البلاد عوض اتخاذنا خصوما مفترضين.

أليس مُرا أن تكتشف أن ما كتبته ذهب هباء و جعلك محمولا على صداقات أو عداوات لم تردها لنفسك و لا لكتاباتك؟

ليتني "بلعتُ" فمي في شأن تونسي لا فرز فيه .

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات