حكم الرثاثةMédiocratie…

Photo

أثارت طبيعة التعيينات الأخيرة استغراب المتابعين من نوعية اختيارات نداء تونس بحكم تدني المستوى التعليمي لمن رشحهم . المناصب السياسية لا ينجح فيها بالضرورة أصحاب الشهادات العلمية الكبيرة باعتبار أن السياسة صناعة و دربة و تجربة في العمل العام و تكوين عصامي في ادارة الناس و قيادة الجموع لكن ذلك لا يمنع من القول ان مجتمعا متعلما لم يعد يستسيغ تولي المناصب العليا لمن هم دون مستوى جامعي مكنتهم الحياة الطلابية من قدر محدود من الاحاطة المعرفية و العملية بالشأن العام .

لا يمكن فهم مقدار الرثاثة في الخطاب و الكوادر و التفاضح و الانشقاق الذي لا يكف نداء تونس عن اظهاره دون فهم طبيعة هذه "الظاهرة السياسية" و كيفية تشكلها و انتشارها منذ 2012 و دون تحليل لطبيعة حاملها الطبقي و الاجتماعي الذي كان وراء فوزها في الانتخابات الأخيرة .

لاشك أن "نداء" قد استثمر بشكل جيد في خوف النخبة و الادارة العميقة و طيف واسع من الأحزاب الايديولوجية التقليدية من "فزاعة الأسلمة" و استهداف نمط المجتمع و الطبيعة المدنية للدولة . كما كان لإخفاقات الترويكا و على رأسها النهضة اضافة الى التدخل الدولي و تدفق الاستشارات و المال الأجنبي و التوازنات الاقليمية و الارهاب دور أساسي في فتح الطريق امام فوز نداء تونس الذي لم يكن حزبا بالمعنى التقني للكلمة(مشروع و برنامج و كوادر( بقدر ما كان "آلة انتخابية" بزعيم "كاريزمي" و جملة "العوامل المساعدة" التي ذكرناها آنفا .

كتبنا سابقا في الطبيعة الطبقية و السياسية لنداء تونس و أكدنا أننا لم نصدق أبدا أنه تعبيرة سياسية حتى على "دولة الحداثة" أو "المنظومة القديمة الدستو بورقيبية " كما يزعم . لم يكن الامر أكثر من استثمار في "بورقيبية مزعومة" أنجزه بامتياز "زعيم مجرب" و "سياسي صنايعي قديم" اشتغلت معه و به مافيات المال المتشظية بعد أن تحررت من رقابة العائلة الحاكمة .

لم تكن هذه المافيات المالية المتشظية غير طبقة هجينة نشأت في نمط اقتصاد ريعي زبائني غير منتج قام على أنقاض طبقة "المال الوطني المنتج" الذي تكون جنينيا في العهد البورقيبي قبل أن تسحقه دولة زبائنية عائلية .

بمال هذه المافيات المتشظية تم تجميع الكادر القيادي و التنظيمي و الدعائي الذي لم يكن أكثر من سقط متاع الخارجين من هوامش الأحزاب و التيارات التقليدية و سقط المتاع الاكاديمي الذي ارتقى على حساب الكفاءات العلمية في فترة بن علي و سقط المتاع الاعلامي الذي تمت رسكلته بسرعة و توليته شؤون صناعة الرأي العام اضافة الى "النشطاء الميدانيين" في الجهات من "البروليتاريا الرثة" و المخبرين السابقين و مؤثثي اجتماعات الشُعب و حفلات استقبال الوزراء في عهد بن علي .

هذه التركيبة الهجينة استفادت بشكل جيد من المزاج العام للإحباط الشعبي في عهد الترويكا و من بيروقراطية الدولة الفاسدة الخائفة على مناصبها و من عموم الماسكين بمؤسسات المراقبة و المعاقبة المتوجسين من "الثورة" بالإضافة الى الاستفادة من قوى دولية غير مطمئنة لتجديد كلي للنظام السياسي التونسي .

غياب مشروع سياسي جامع هو ما سرع بتصدع هذا الجسم و شيوع التفاضح بين قياداته و ارتهانه الآن الى سقط المتاع الذي ملأ القصر و الدولة جهويا و محليا .فاقد الشيء لا يمنح غير الرثاثة مضمونا و كوادرا .ماتت السياسة مع النداء.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات