المشروع الوطني قتله الارهاب و الاعلام ..

Photo

الارهاب التكفيري الظلامي الذي أعاق الانتقال السياسي السلس بعد الثورة يرتبط دون شك بعوامل فكرية تتعلق بوضعية الفكر الديني و التصحر الثقافي الذين يحتاجان اصلاحا جذريا يستعيد الأبعاد النيرة و التقدمية في ديننا الحنيف و يمنح الابداع الثقافي مضامينا وطنية تُحصن الأجيال من التفاهة و الفراغ و الميوعة التي تنتهي بهم الى التطرف حين تُفكر ذات صحوة في البحث عن المعنى .

تحتاج ايضا مواجهة هذا الارهاب الى توافقات واسعة على مشروع تربوي وطني رائد يُحسن توظيف طاقات الخلق و الابداع لدى أبنائنا و يمنحهم احساسا بالأفق و الأمل الاجتماعي و يعبئهم في معارك بناء وطني و احساس بالانتماء الى شعب و أمة نؤسس من أجلها و لا نهدم و نحيي و لا نقتل .

من المؤكد أيضا أن مقاومة الفساد و استئصال جذوره مدخل آخر لمحاصرة أحد منابع الارهاب و مموليه حين يصبح هذا الارهاب كما يتأكد باستمرار ذراعا خفية و موضوعية لكل القوى و اللوبيات التي يخيفها الانتقال السياسي من دولة الزبونية و مراكز القوى الى دولة الشفافية و المواطنة و المشروع التنموي المنتج و العادل بعيدا عن اقتصاديات الالحاق و التهميش و تفقير الطبقات و الجهات و الوكالة المافيوزية .

هذه الرؤية الاصلاحية المُركبة لاستراتيجية المواجهة الثقافية و التربوية و الاجتماعية و الاقتصادية تحتاج طبقة سياسية عميقة النظرة.. وطنية التوجه ..تشاركية التفكير …طبقة سياسية تقطع مع الاحتراب و الانتهازية و تربط بين الأخلاق و السياسة و تقدم نفسها للناس ببدائل وطنية و رموز لا يأتيها "الفساد" من بين أيديها و لا من خلفها و الأهم من ذلك أن تكون طبقة مُحصنة من كل اختراق أجنبي أو ارتباط بمحاور معادية للشعوب و متآمرة على الاوطان .

الواجهة و المخبر الذين تُعرض و تُصنع فيهما بضاعة المشاريع الوطنية و العقول و الآراء و الرموز الحاملة لهذا المشروع هي الإعلام و كُلما كان هذا القطاع معنيا برقي الخطاب و طبيعة الاشكاليات التي يُثيرها و نوعية الرموز و "الأيقونات" التي يفرضها على الناس كان مساهما في الانتقال السياسي السليم و مقاومة الارهاب و الفساد و الاستبداد .

يجب أن يعترف العديد من الاعلاميين الصادقين المكبوتة أصواتهم أو العاجزة عن التغيير أو المنساقين في الموجة تحت حكم "الخبزة المرة" أن الاعلام التونسي و بعد أن تخلص بعد الثورة من "تعليمات" مركز واحد في السلطة أصبح الآن نهبا للوبيات الفساد و بقايا الاستبداد و عصابات الداخل و الخارج و أنه أصبح مجالا لإنتاج الضحالة و الفتنة و الميوعة الاخلاقية و الفكرية و أنه كان سببا رئيسيا في خراب الساحة السياسية و الثقافية و تفاقم الكراهية و غياب المشاريع .

ان هذا الاعلام لم ينتج على امتداد سنوات الثورة غير النفخ في التفاهات و نيران المواجهات و تحويل "الديمقراطية" الى فوضى هدامة كما خطط لها الرعاة الدوليين ممن استولوا على "الثورات" و اخترقوا زعاماتها و أحزابها و جمعياتها و اعلامها حتى تصبح بين خياري الانهزام أمام الارهاب أو الخضوع لاملاءات المستعمرين الجدد .

سيظل العار يلاحق كبار الفاعلين في ساحة اعلامية تونسية يعود لها "الفضل" في تعميم مزاج الاحباط و الانهيار و كره الفعل و التغيير الذي أصاب التونسيين .سيظل العار يلاحق كبار الفاعلين في ساحة اعلامية يعود لها "الفضل" في صنع ساحة سياسية رديئة بخطابها و نقاشاتها و قياداتها حتى أصبحت الخيارات أمام التونسيين لا تتجاوز الاختيار بين "طاعون"بقايا القديمة و "كوليرا" كوادر الجديدة المخترقة أو الانكسار تحت سيف ارهاب أعمى يحاصر البلاد من الخلف و استعمار يحضنها من قدام .

الاستثناءات الجميلة في هذا الاعلام نادرة تكاد لا تُذكر و لذلك عممتُ و تجنبتُ العبارة السمجة المتحذلقة "باستثناء بعض الاعلاميين الشرفاء"…فهُم بعض بلا تأثير …

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات