تقدير الموقف الذي انطلقت منه الحكومة (خبراء التفاوض) في مواجهتها لقرار جامعة التعليم الثانوي قام على جملة من المعطيات التي افترضت فشل التحرك بمجرد التصلب و ربح الوقت في مقابله . قدرت الحكومة جملة من نقاط "الضعف" في جبهة خصمها الاجتماعي لخصتها في ما يلي :
أولا : احتقان بين القواعد الاستاذية و غضب من هياكلها بعد انتهاء التعبئة التاريخية في السنة الدراسية الفارطة دون مكاسب بل و بخسائر فادحة تمثلت في اقتطاع موجع للأجور بعد اضطرار الجامعة الى الانحناء أمام قرار المركزية النقابية و تجنبها الصدام مع المزاج الشعبي لو قاطعت الامتحانات الوطنية .و قد قدرت الحكومة أن خيبة السنة الفارطة ستجعل الجامعة هذه السنة عاجزة عن تعبئة قواعدها .
ثانيا :اعتمدت الحكومة على معلوماتها حول الخلافات النقابية النقابية (ذات الطابع السياسي و الايديولوجي) بين الكاتب العام و رفقائه في الهياكل العامة و الجهوية و الأساسية و بين القطاع و المركزية النقابية مما سيجعل الكاتب العام أو الجامعة في عجز عن نيل الغطاء المؤسساتي من الاتحاد نفسه .
ثالثا :قدرت الحكومة عاليا الدور المفترض للأساتذة و الاعلام و القوى الشعبية المحمولة على الأحزاب المساندة للحكومة (النهضة أساسا) و راهنت في خطتها التصلبية على ما تقدر أنه "مزاج شعبي" رافض للإضرابات و معاد للأساتذة و مستهجن "للمعارضة الراديكالية" للقوى اليسارية ظنا منها أن توازنات المشهد السياسي العام تنطبق على توازنات المشهد الاجتماعي و النقابي .
رابعا : ثمنت الحكومة ما اعتبرته "انتصارا" في السنة الفارطة لوزير "مجرب" في العهد السابق لأسلوب التعاطي المتصلب مع القطاع و ساهمت في منحه احساسا مفرطا بالثقة في قدرته على أن "يربي الأساتذة" كما راج في أحد الفيديوهات المسربة .
بعد الأيام الاولى لانطلاق المقاطعة كان واضحا أن تقدير الموقف الذي اعتمدته الحكومة كان خاطئا تماما لأنه صيغ على العموم بحسابات "عهد سابق" لا يقرأ جيدا تحول مزاج التونسيين و منسوب الحرية و حجم الذكاء في تقييم "الوضعيات المختلفة" كل على حدة فليس بالضرورة أن من يختلف سياسيا مع طرف آخر في المشهد الحزبي سيكون مختلفا معه في السياق "الاجتماعي" .كما ان توازنات "الحزبي" تختلف عن توازنات "النقابي" .
كبرت كرة الثلج و صعدت الحكومة و وزارتها الى أعلى الشجرة و أحكمت بغباء "مستشاريها الديمقراطيين" الوافدين على "الدولة " حبل أزمة اجتماعية على رقبتها المحاصرة أصلا بخيط ازمة سياسية مع "قرطاج" و أطراف سياسية تتربص لورطتها
و بين "دباير " الديمقراطيين المتحولين حكاما و "غرور" القديم المتوهم قدرة مثل قدرته "سابقا" استحكمت أزمة حكومة مخيرة بين البقاء على الشجرة بلا أفق إلا صدام لا تُعرف نتائجه أو "التوافق" على سلم تنزل به بنصف هزيمة أمام قطاع لا يملك اوراقا كثيرة لانتصار ناجز و لكنه لا يعيش ضعفا كافيا كما يتمنى خصومه و لن ينهزم أمام حكومة هي اصلا "ما تقدرش" .